على أعمال أنطاكية ، فعند ذلك عصى من كان في الحصون والمعاقل المجاورة لأنطاكية (١) ، وقتلوا من كان فيها وهرب من هرب منها وفعل أهل أرتاح (٢) مثل ذلك ، واستدعوا المدد من الأفرنج ، وفي شعبان ظهر الكوكب ذو الذؤابة من الغرب وأقام طلوعه تقدير عشرين يوما ، ثم غاب ، فلم يظهر ، وكان قد نهض من عسكر الافرنج فريق وافر يناهز ثلاثين ألفا ، فعاثوا في الأطراف ووصلوا إلى البارة (٣) وقتلوا فيها تقدير خمسين رجلا ، وكان عسكر دمشق وصل إلى ناحية شيزر لانجاد يغي سغان ، فلما نزلت هذه الفرقة المذكورة على البارة ، نهضوا نحوهم ، وتطاردوا وقتل منهم جماعة ، وعاد الافرنج إلى الرّوج (٤) ، وتوجهوا إلى أنطاكية ، وغلا سعر الزيت والملح ، وغير ذلك ، وعدم في أنطاكية ، وتواصل ذلك إليها سرقة ، فرخص فيها ، وجعل الأفرنج بينهم وبين أنطاكية خندقا لكثرة الغارات عليهم من عسكر أنطاكية ، وقد كان الأفرنج عند ظهورهم عاهدوا ملك الروم ووعدوه بأن يسلموا إليه أول بلد يفتحونه ، ففتحوا نيقية وهي أول مكان فتحوا ، فلم يفوا له بذلك ولا سلموها إليه على الشرط (٥) ، وافتتحوا في طريقهم بعض الثغور والدروب.
وفي هذه السنة وردت الأخبار من (٧٣ ظ) ناحية حلب بفساد حال رئيسها المعروف بالمجن لما كان عليه من التمكن والغلبة على الأمر ، وارتكاب
__________________
(١) كثيرون من سكان المنطقة كانوا من غير المسلمين ، من الأرمن.
(٢) حصن منيع في منطقة الثغور كان من أعمال حلب. معجم البلدان.
(٣) مدينة كانت ذات شهرة كبيرة ، فيها آثار كثيرة ، وتتبع البارة اداريا لمنطقة أريحا في محافظة ادلب في سورية.
(٤) من كور حلب المشهورة في غربيها بينها وبين المعرة. معجم البلدان.
(٥) إن الأميرة آناكومينا أفضل من تحدث عن وصول حشود الصليبيين إلى القسطنطينية ووصف علاقاتهم بالامبراطور ألكسيوس كومنين ، ثم قص خبر سقوط نيقية ، وكيف آلت ملكيتها إلى البيزنطيين ، وقد أودعت هذا كله في كتابها عن حياة أبيها الذي حمل عنوان «الألكسياد». انظر ترجمته إلى الانكليزية ـ ط. لندن : ١٩٦٧ ، ص : ٢٤٨ ـ ٢٧٨.