المخوف أن يرسل [إلى] الأمير سكمان بن أرتق ، يستدعي وصوله إلى دمشق في عسكره ، ليوصي إليه ، ويعتمد في حماية دمشق عليه ، ونفذت إليه أيضا مكاتبة ابن عمار ، بتحريضه على المسارعة إلى ذلك ، والقصد لنصرته ، وبذل له مالا جزيلا على معونته ونصرته ، فحين وقف على مضمون المكاتبات أجاب إلى المقترح عليه ، وسارع إليه ، وثنى عنانه الى دمشق مغذا في سيره ، مواصلا لجده وتشميره ، وقطع الفرات إلى ما حض عليه والمغارات ، فلما وصل إلى القريتين ، واتصل خبره إلى أتابك ، لامه أصحابه وخواصه على ما فرط في تدبيره ، وعنفوا رأيه فيما استدعاه ، وخوفوه عاقبة ما أتاه ، وقالوا له : وليت الأمير سكمان بن أرتق دمشق ، وأخرجتها من يدك ، كيف يكون حالك وأحوالنا ، أو ليس قد عرفت نوبة أتسز ، لما استدعى السلطان تاج الدولة بن ألب أرسلان ، وسلم إليه دمشق ، وكيف بادر بإهلاكه ولم يمهله ولا أهله فعند ذلك أفاق لغلطته ، وتنبه لغفلته ، وندم ندامة الكسعي (١) وزاده هذا الأمر مرض الفؤاد مع مرض الجسم ، وبينما هو وأصحابه من التفكير فيما يعتمد من أمره ويدبر به حاله عند وصوله (٢) ، والخبر ورد من القريتين بأن الأمير سكمان ساعة وصوله في عسكره إلى القريتين ، ونزوله ، لحقه مرض شديد ، وقضى منه محتوم نحبه ، وصار إلى رحمة ربه ، وحمله أصحابه في الحال ، ورحلوا عائدين به ، فسر أتابك بهذه الحال سرورا زائدا ، كان معه بدء سعادته ، وعود برئه إلى جسمه وعافيته ، فسبحان مدبر الخلق بحكمته
__________________
(١) الكسعي هو محارب بن قيس وقيل غامد بن الحارث ، له قصة ذكرها الميداني في مجمع الأمثال ـ المثل رقم ٤٢٩٢ ـ وبين في نهايتها أنه كسر قوسه «فندم على كسر القوس ، فشد على ابهامه فقطعها».
(٢) في مرآة الزمان ـ أخبار سنة ٤٩٨ ـ أن طغتكين كتب إلى سكمان وهو في القريتين يقول : «تثبت مكانك ، فأنا خارج إلى خدمتك ، فاتفق أن سكمان مرض ...».