خلقا كثيرا ، وقتل الأمير صدقة بن مزيد في الجملة ، ووجوه رجاله ، ولم يفلت منهم إلا اليسير ممن حماه الأجل ، واستطار قلبه الخوف والوجل. وكان السلطان قد اعتمد في تدبير الجيش وترتيب الحرب على الأمير مودود المستشهد بيد الباطنية في جامع دمشق (١) ووصل السلطان غد يوم الوقعة ونزل الحلة.
ولم يكن للعرب صدقة مثله في البيت والتقدم ، وإحسان السيرة فيهم ، والانصاف لهم ، والإنعام عليهم ، وكرم النفس ، وجزيل العطاء ، وحسن الوفاء ، والصفح عن الجرائر ، والتجاوز عن الجرائم والكبائر ، والتعفف عن أموال الرعية ، وإحسان النية للعسكرية ، غير أنه كان مع هذه الخلال الجميلة والمآثر الحميدة ، مطرحا لفرائض الشريعة ، متغافلا عن ارتكاب المحارم الشنيعة ، مستحسنا لسب الصحابة رضياللهعنهم ، فكان ما نزل به عليه عاقبة هذه الأفعال الذميمة ، (وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) (٢).
وتوجه السلطان بعد تقرير أمر الحلة عائدا إلى أصفهان (٨٧ و) في أوائل شوال من السنة ، وقد قرر مع الأمير مودود والعسكر قصد الموصل ، ومنازلتها والتضييق عليها ، والتملك لها ، فرحل مودود والعسكر ، ونزل على الموصل ، وكان جاولي صاحبها قد أخرج أكثر أهلها منها ، وأساء أصحابه السيرة فيها ، وارتكبوا كل محرم منها ، ومضى إلى الرحبة واستناب فيها من وثق به من أصحابه ، في حفظها ، وأقام العسكر السلطاني عليها مدة ، وعمد سبعة نفر من أهلها على الموطأة عليها ، وفتحوا بابا من أبوابها ، وسلموها إلى مودود ، ودخلها وقتل مقتلة كبيرة من أصحاب جاولي ، وأمن من كان في القلعة ، وحملهم وما كان معهم إلى السلطان.
__________________
(١) سيأتي خبر ذلك. انظر الدعوة الاسماعيلية الجديدة : ١١٩.
(٢) القرآن الكريم ـ الأنعام : ١٣٢.