عرف الأفرنج ذلك ، نهضوا إليه في تقدير ثلاثمائة فارس لانجاد من بالأكمة ، فوصلوا إليهم ليلا ، فقويت نفوسهم ، واقتضى رأي أتابك الرحيل عنها بحكم من صار فيها منهم ، فرحل كالمنهزم ، وطمع فيه ، وتتبع العسكر ، فغنم من الخيل والكراع غنيمة كبيرة وتفرق العسكر في الشجر والجبال ، ووصلوا إلى حمص على أقبح صفة ، وأشنع صورة ، من غير لقاء ولا محاربة ، وعاد الأفرنج إلى عرقة ، وعدم القوت فيها ، فملكوها بالأمان.
وفيها استوزر ظهير الدين أبا نجم هبة الله بن محمد بن بديع الأصفهاني ، الذي كان مستوفيا للسلطان تاج الدولة ، وكان قد وزر بعده لولده الملك رضوان بحلب ، وبقي في الوزارة مدة ، في أوائل سنة اثنتين وخمسمائة ، وأفسد قلب ظهير الدين أتابك عليه معه ما كان في قلبه في الأيام التاجية ، فأمر بالقبض عليه واعتقاله في القلعة ، وحمل ما كان في داره ، وقبض أملاكه ، وأقام أياما في الاعتقال ، ثم أمر بخنقه ، فخنق ورمي في جب بالقلعة ، ثم أخرج ودفن في المقابر.
وفي شعبان من هذه السنة وصل ريمند بن صنجيل ، الذي كان نازلا على طرابلس ، من بلاد الافرنج في جملة ستين مركبا في البحر ، مشحونة بالأفرنج والجنويين ، فنزل على طرابلس ، ووقع بينه وبين السرداني ابن أخت صنجيل مشاجرة ، ووصل طنكري صاحب أنطاكية إليه لمعونة السرداني (١) ، ووصل الملك بغدوين صاحب بيت المقدس في عسكره فأصلح بينهم ، وعاد السرداني إلى عرقة ، ووجد بعض الأفرنج في زرعها ، فأراد ضربه فضربه الافرنجي فقتله ، ولما بلغ الخبر ريمند بن صنجيل ، وجه من تسلم عرقة من أصحابه.
__________________
(١) من أجل النزاع بين وليم جوردان السرديني ، وبرتراند الابن الأكبر لريموند الصنجيلي وعلاقة ذلك بحصار طرابلس ، أنظر طرابلس الشام في التاريخ الاسلامي : ١١٣ ـ ١١٦.