وقد كان ظهير الدين أتابك عند اجتماع هؤلاء الأمراء ، وعبورهم الفرات قد كاتبوه بالوصول إليهم ، ورد التدبير فيما يعتمدونه عليه إليه ، ووصل إليه كتاب السلطان بمثل هذه الحال ، فاقتضت الصورة ، وصائب الرأي أن ينهض في العسكر نحوهم للاعتضاد على الجهاد ، وتقوية النفوس على حماية هذه البلاد من أهل الشرك والإلحاد ، وجمع من أمكنه من رجال حمص وحماة ورفنية وسائر المعاقل الشامية ، وسار إليهم ووصلهم على ظاهر حلب ، فتلقوه بالإكرام والمزيد في الإحترام ، وقويت بوصوله النفوس ، واشتدت الظهور ، وسروا بحصوله عندهم سرورا ، ظهر منهم وشاع عنهم ، فلم ير منهم عزيمة صادقة في جهاد ، ولا حماية بلاد.
وأما سكمان القطبي فإن المرض اشتد به ، واشفي منه ففصل عنهم وعاد إلى بلده (١) ، وورد الخبر بوفاته في طريقه قبل وصوله الفرات (٢) ، وأما
__________________
(١) في الأصل «ولده» وهو تصحيف صوابه ما أثبتنا.
(٢) سكمان القطبي هو صاحب ميافارقين ، وكان قبل ذلك يمتلك أخلاط ، وتحدث الفارقي في تاريخه : ٢٧٤ ـ ٢٧٨ عن تسلمه لميافارقين ثم مشاركته في حملة مودود حتى وفاته ، ورواية الفارقي لها أهمية خاصة لأن حوادثها وقعت في منطقة هو مؤرخها ، يقول الفارقي : «وفي الخميس العشرين من جمادى الأولى سنة اثنتين وخمسمائة نزل الأمير سكمان صاحب أخلاط الى ميافارقين وحاصرها ، وكان تشرين الأول من السنة ، وحاصرها وضايقها وكانت شتوة صعبة ، وبقي يحاصرها سبعة أشهر ، ثم سلمها إليه أتابك خمر تاش بعد ذلك في شوال سنة اثنتين وخمسمائة ، ودخل ميافارقين .. وأقام بميافارقين ، وأزال عنهم الكلف والمؤن والأعشار والأقساط وأسقط دار الضرب ، وما كان جدده المحتسب وأتابك واتخذوه من الرسوم ، وحط عن الناس أشياء كثيرة ، وأطلق الحشر للسور ، وأجرى الناس على أملاكهم ، وخفف عنهم من الخراج ، وأزال عنهم جميع أسباب الظلم ، ونزل في القصر واليا مملوكه غزغلي وسلم البلد الى خواجا أثير الدولة أبو الفتوح ، وبقي الناس معه على كل خير ...