ووصل إليه الأمير أحمد يل (١) في عسكر كثيف الجمع ، وكذلك تلاه الأمير قطب الدين سكمان القطبي من بلاد أرمنية وديار بكر ، فاجتمعوا في أرض حران ، وكتب إليهم سلطان بن علي بن منقذ صاحب شيزر يعلمهم نزول طنكري صاحب أنطاكية أرض شيزر ، وشروعه في بناء تل ابن معشر في مقابلة شيزر ، وحمل الغلال إليه ، ويستصرخهم ويبعثهم على الوصول إلى جهته ، فحين عرفوا ذاك رحلوا إلى الشام ، وقطعوا الفرات في النصف من المحرم سنة خمس وخمسمائة ، ونزلوا على تل باشر في التاسع عشر من المحرم ، وأقاموا عليه منتظرين وصول الأمير برسق بن برسق صاحب همذان ، وكان قد أمر من السلطان بالتقدم عليهم ، فوصل إليهم في بعض عسكره ، وبه مرض من علة النقرس ، وسكمان القطبي أيضا مريض ، والآراء بينهما مختلفة ، وقاتل المطوعة والسوقة هذا الحصن ونقبوه ، فأنفذ جوسلين صاحب تل باشر إلى الأمير أحمد يل الكردي يلاطفه بمال وهدية ، ويبذل له الكون معه ، والميل إليه ، وكان أكثر العسكر مع أحمد يل ، وسأله الرحيل عن الحصن وينزل إليه ، فأجابه إلى ذلك ، على كراهية من باقي الأمراء ، واشتد مرض سكمان القطبي ، وعزم أحمد يل على العود طمعا منه في أن السلطان يقطعه بلاد سكمان ، وكان قد عقد بينهما وصلة وصهر ، فعادوا عن تل باشر إلى حلب ، ونزلوا عليها ، وعاثوا في أعمالها وفعلوا أقبح من فعل الأفرنج في الفساد ، وتوقعوا خروج (٩٦ و) الملك فخر الملوك رضوان صاحب حلب إليهم ، أو خدمة ينفذها لهم ، فلم يلتفت الى أحد منهم ، وأغلق أبواب حلب ، وأخذ رهائن أهلها الى القلعة ، ورتب الجند وأحداث الباطنية والطائعين لحفظ الأسوار ، ومنع الحلبيين من الصعود إلى السور ، وأطلق الحرامية في أخذ من يظفرون به من أطراف العسكر (٢).
__________________
(١) أحمد يل الكردي صاحب مراغة أعظم بلاد أذربيجان وأشهرها ، ترجم له ابن العديم في بغية الطلب. انظر كتابي : مدخل الى تاريخ الحروب الصليبية : ٢٥٤.
(٢) أنظر تفاصيل خبر هذا وآثاره في ترجمة رضوان في بغية الطلب لابن العديم. مدخل الى تاريخ الحروب الصليبية : ٢٩٢ ـ ٢٩٤.