فإن عزمه قوي على العود بسبب بلاد سكمان وطمعه في اقتطاعها من السلطان فاستجرهم ظهير الدين أتابك إلى الشام ، فرحلوا في آخر صفر ونزلوا معرة النعمان ، فأقاموا على ذلك المنهاج الأول ، وامتار العسكر من عملها ما كفاهم ، وقصروا عن جملة من العلوفات والأقوات ، وظهر لظهير الدين من سوء نيّة المقدمين فيه ما أوحشه منهم ، ونفّر قلبه من المقام بينهم ، وذكر له أن الملك فخر الملوك رضوان راسل بعض الأمراء في العمل عليه ، والايقاع به ، فاتفق مع الأمير شرف الدين مودود ، وتأكدت المصافاة والمعاهدة بينهما ، وحمل إلى بقية الأمراء ما كان صحبه من الهدايا لهم والتحف ، والحصن العربية السبق ، والأعلاق المصرية (٩٦ ظ) وقوبل ذلك منه بالاستكثار له والاستطراف والشكر والاعتراف ، ووفى له مودود بما بذله ، وثبت على المودة ، وجعل أتابك يحرضهم على قصد طرابلس ، ويعدهم حمل ما يحتاجون إليه من المير من دمشق وعملها ، وإن أدركهم الشتاء أنزلهم في بلاده ، فلم يفعلوا وتفرقوا أيدي سبأ ، وعاد برسق بن برسق وأحمد يل ، وتبعوا عسكر سكمان القطبي ، وتخلف منهم الأمير مودود مع أتابك ، فرحلا عن المعرة ونزلا على العاصي.
__________________
لماردين نجم الدين ايلغازي بلد الحناضلة من قاطع دجلة الى جبل الصور مقدار ثمانين ضيعة ، وأخذ الأمير فخر الدولة ابراهيم صاحب آمد مقدار ثلاثين ضيعة من شرقي نهر الحو ، وأخذ الأمير شاروخ صاحب حاني رأس الجسر الأعلى ، وأخذ الأمير أحمد صاحب ابن مروان (وهو ابن الامير نظام الدين) بلغ الهتاخ ، وأخذت السناسنة مقدار ثلاثين قرية من غاب الجوز وما حوله داخل رأس السلسلة ، وأخذ حسام الدولة صاحب أرزن خمسا وعشرين قرية من بين النهرين ، وكان ذلك لاختلاف الولاة وتغير الدول.
وقال أيضا ان في سنة اثنتي عشرة وخمسمائة نفذ السلطان الى الرزبيكي رسولا يأمره أن يسلم ميافارقين الى نجم الدين ايلغازي ، فحضر وسلمها إليه ، وملكها وخرج الرزبيكي ونزل على الروابي ، وأقام ثلاثة أيام ، فلما كان اليوم الرابع وصله رسول من السلطان يأمره أن لا يسلم ، فوجد الأمر قد فات ، واستقر نجم الدين بميافارقين ، وأظهر العدل والإنصاف والإحسان الى الناس.