وفي الشهر المذكور توجه الأمير نور الدولة بلك في عسكره إلى خرتبرت ،
__________________
العليا وأخبروا البواب بسبب قدومهم ، وهو الشكوى ضد واليهم ، فطلب منهم الانتظار بين البوابتين ، بينما يخطر شحنة القلعة بقدومهم ، وصدف أن كان الشحنة يقيم آنذاك وليمة لضباطه ، وقد أثرت الخمرة بهم ، وكانوا جميعا بمنتهى الغبطة والسرور ، وكان كثيرون من رجال الحرس يشاهدون الوليمة ، ولم يبق سوى اثنان أو ثلاثة مع البواب على البوابة.
وعندما ذهب لاخبار الشحنة عمد الرجال لاختطاف السيوف المعلقة بين البوابات وقتلوا البواب وكل من وجدوه هناك ، ثم دعوا رفاقهم الذين كانوا بانتظارهم في الخارج ، وانضم هؤلاء إليهم وفتحوا الأبواب ، واندفعوا وقتلوا جميع الضباط الذين كانوا يشتركون في الوليمة بدون استثناء ، ثم فكوا أسار الأسرى ، واحتلوا القلعة ، وساعدهم جميع الأرمن الذين كانوا داخل المدينة.
وحالما انتشر خبر هذه الواقعة ، أرسل الخبر الى بلك في حلب ، كما تجمع الأتراك من كل حدب وصوب وأحاطوا بالقلعة ، وراقبواها عن كثب حتى لا يخرج منها أحد أو يدخلها انسان ، وعمد جوسلين في الليلة الأولى ومعه اثنان أو ثلاثة آخرون ، الى الهرب بشجاعة ، واخترقوا الحصار ونجوا ، وكان جوسلين قد وعد الملك بألا يرتاح حتى يصل الى القدس ويجلب جيشا لانقاذه ، ثم سار مارا بكيسوم فتل باشر ، فأنطاكية ، فالقدس.
وزاد فرح الفرنجة لدى سماعهم أن بلدوين وجاليران [أسقف البارة] قد أطلق سراحهما ، وأن قلعة زياد قد سقطت ، إنما عند ما سمع بلك بخبر ما حدث في قلعته الحصينة ، عاصمة ملكه ، وبيت ماله ، ومخزن ثروته ، بدأ بالتحرك حالا مع فرق جيشه ، ووصل الى قلعة زياد في مدة أربعة أيام ، أي بعد عشرة أيام من حدوث الواقعة ، وهاجم القلعة بضراوة ، ونصب آلات الحصار التي قذفت السور برماياتها دون توقف دقيقة واحدة ، خشية أن يحضر الفرنجة لنجدتها ، وفي بضعة أيام فتحوا ثلمة في السور ، وطلب بلك تسليم الحامية ، ووعدها أن يحفظ حياة أفرادها ، لأنه لم يرغب في مهاجمة القلعة ، فيدمر موطن سمعته وشرفه ، وأثناء هذا تمكن من هدم برج آخر مقاما فوق صهريج الماء ، وعندما حدث هذا ، فقد المحاصرون كل أمل ، وخرج جاليران بنفسه إليه ليطلب كلمة الشرف ويتوثق من بلك بحفظ حياتهم ، وأعطاه بلك ذلك ووعد بحفظ حياتهم ، فسلموا له القلعة ، فدخلها ، وقام بتعذيب الأرمن وسلخ أجسادهم أحياء ، وأعاد الملك بلدوين وجاليران الى سجنهم السابق [١٦ أيلول ١١٢٣ م].