الاسلام ، وكثرته واستظهاره على حرب الأفرنج ، وشدة شوكته ، ولم يشك أحد في هلاك الأفرنج في هذا اليوم وبوارهم ، وكونهم طعمة للمسلمين متسهلة ، (١١٦ ظ) واتفق أن فرقة وافرة من عسكر التركمان ، غارت على أطراف الأفرنج ونالت منهم ، واستظهرت عليهم ، وخاف الافرنج ، وعلموا أنه لا طاقة لهم بهذا الجمع ، وأيقنوا بالهلكة ، ورحلوا بأسرهم من منزلهم الذي كانوا فيه ، عائدين الى أعمالهم على غاية من الخوف والوجل ، ونهاية من الذل والوهل ، ونشبت فرقة من التركمان في فريق منهم ، وهم راحلون فغنمت من أثقالهم ودوابهم غنيمة وافرة ، وظفرت بالكنيسة المشهورة التي لهم في مخيمهم ، وطمع العسكر عند ذاك فيهم وحملوا عليهم ، وهم مولون لا يلوون على تابع ولا يقفون على مقصر لاحق ، وقد شملهم الرعب وضايقوهم مضايقة ألجأتهم إلى رمي نفوسهم عليهم ، إما لهم وإما عليهم ، فتجمعوا وعادوا على العسكر الإسلامي ، وحملوا عليه حملتهم المعروفة ، فكسروهم وهزموهم ، وقتلوا من أعقابهم من ثبطه الوجل ، وخانه الأجل ، وتم العسكر في الهزيمة على حاله ، وعادوا على جميع الرجالة ، وهم العدد الكثير والجم الغفير ، وأطلقوا السيف فيهم حتى أتوا عليهم ، وتتبعوا المنهزمين بالقتل حتى وصلوا إلى عقبة سحورا (١) وقربوا من البلد من شرخوب مع بعد المدى والمسافة ، وصبر خيولهم.
ووصل ظهير الدين أتابك والعسكر إلى دمشق آخر نهار هذا اليوم ، وبنوا الأمر بينهم على مباكرتهم في غد للإيقاع بهم ، فصادفوهم قد رحلوا عائدين إلى عملهم ، خوفا مما عزم عليه من قصدهم ، وتنبعهم ، والله يحكم ما يشاء.
__________________
(١) لم أجد هذا الموقع في المعاجم والمصادر الجغرافية.