الأعلام ، فعند ذاك تنتهز الفرصة ، وتقتنص الفريسة ، واتفق أن بهرام الداعي ، لما يريد الله تعالى من بواره ، ويحل به من هلكه ودماره ، حدثته نفسه بقتل برق بن جندل أحد مقدمي وادي التيم ، لغير سبب حمله عليه ، ولا جناية دعته إليه بل اغترار بعاقبة الظالمين ، في سفك الدماء المحرمة ، وافاظة النفوس المحظورة ، وجهلا بما حذر الله تعالى من يقصد ذاك ، ويقدم عليه بقوله عزوجل : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً (١)) ، فخدعه الى أن حصل في يده ، فاعتقله وقتله صبرا ، فتألم لقتل مثله ، على هذه ، مع حداثة سنه وشهامته وحسن صورته ، وأعلنوا بلعن قاتله في المحافل والمشاهد ، وذمه من كل غائب ومشاهد ، فحملت أخاه الضحاك بن جندل ، وجماعته وأسرته الحمية الاسلامية ، والحرقة الأهلية على الطلب بدمه ، والأخذ بثأره ، فتجمعوا وتعاهدوا ، وتحالفوا على المصابرة على لقاء أعدائهم ، والايغال في الطلب لدمائهم ، وبذل المهج والنفوس (١٢١ ظ) في إدراك ثأرهم ، وشرعوا في التأهب لهذه الحال صابرين ، وللفرصة متوقعين الى أن ساق بهرام ولفيفه الحين المتاح ، وقضى الله عليهم بالاصطلام والاجتياح ، فتجمعوا من كل ناحية ، وتهافتوا من كل صوب وجهة ، وظهريهم من بانياس في سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة وقصد ناحية وادي التيم ، للايقاع بالمذكورين ، وكانوا مستعدين للقائه ، مترقبين لحربه ، فلما أحسوا بقربه منهم ، نهضوا بأجمعهم إليه نهوض الليوث من غابها للمحاماة على أشبالها ، وطاروا نحوهم مطار صقور الجبال إلى يعاقيبها وأحجالها ، فحين دنوا من حزبه المفلول وحشده المخذول ، هجموا عليهم وهم في مخيمهم غارون ، وبهم مغترون ، وصاح صائحهم ، وهم غافلون ، وبما نزل بهم من البلاء ذاهلون ، والى أن يتمكن فارسهم من امتطاء جواده ، وراجلهم من تناول عدته وعتاده ،
__________________
(١) القرآن الكريم ـ النساء : ٩٣.