فاجتمع إليهم سائر من حوته بلادهم ، من : الرّها ، وأنطاكية ، وطرابلس ، والساحل ، ووصلهم في البحر ملك كند ، هو الذي (١) قام مقام بغدوين الهالك في الأفرنج ، ومعه خلق كثير ، فاجتمعوا ونزلوا على بانياس ، وخيموا عليها ، وشرعوا في تحصيل المير والأزواد للإقامة ، وتواترت الحكايات عنهم ، ممن شاهدهم وأحصى عددهم ، أنهم يزيدون على ستين ألفا فارسا وراجلا ، وأكثرهم الرجالة.
فلما عرف تاج الملوك ذلك من عزمهم ، تأهب لهذا الأمر وصرف همه إلى الاستكثار من العدد والسلاح ، وآلة الحرب ، وما يحتاج إليه من الآلات التي يحتاج إليها لتذليل كل صعب ، وكاتب أمراء التركمان على أيدي رسله المندوبين إليهم بالاستنجاد والاستغاثة بهم ، وبذل من المال والغلال ما بعثهم على المبادرة الى إجابة ندائه ، والسرعة الى دعائه ، ووصل إليه من طوائفهم المختلفة الأجناس ، كل ذي بسالة ، وشدة مراس ، راغبين في أداء فريضة الجهاد ، ومسارعين إلى الكفرة الأضداد ، وأطلق ما يحتاجون إليه لقوتهم ، وقضيم خيولهم.
ورحل الملاعين عن بانياس طالبين دمشق ، على أناة وترتيب ، ونزلوا على جسر الخشب والميدان المعروف المجاور له في (٢) .. من ذي القعدة سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة ، وخيموا هناك وأصبح العسكر ، خرج من دمشق وانضم إليه التركمان من منازلهم حول البلد ، والأمير مرة بن ربيعة في العرب
__________________
(١) هو فولك صاحب أنجو ، زوج ميليسند أكبر بنات بلدوين الثاني. انظر تاريخ وليم الصوري : ٢ / ٤٧ ـ ٥١.
(٢) فراغ بالأصل ، ويبدو أن ذلك حصل في أواخر ذي القعدة حيث جاء في الكامل لابن الأثير : ٨ / ٣٢٩ : «ووصل الفرنج في ذي الحجة فنازلوا البلد ، وأرسلوا الى أعمال دمشق لجمع الميرة والاغارة على البلاد».