ولم يزل عسكر الاسلام يكر عليهم ويفتك بهم ، إلى أن فشلوا وانخذلوا ، وأيقنوا بالبوار ، وحلول الدمار ، وولى كليام (١) دبور مقدمهم وشجاعهم في فريق من الخيالة منهزمين ، وحمل الأتراك والعرب حملة هائلة ، وأحدقوا بهم ضربا بالسيوف ، وطعنا بالرماح ورشقا بالسهام ، فما كان إلا بعض النهار ، حتى صاروا على وجه الأرض مصرعين ، وبين أرجل الخيل معفرين ، وغنموا منهم الغنيمة التي امتلأت أيديهم بها ، من : الكراع ، والسلاح ، والأسرى ، والغلمان ، وأنواع البغال ، وهو شيء لا يحصر فيذكر ، ولا يحد فيعد ، ولم يسلم منهم إلى معسكرهم إلا القليل من الخيالة ، الذين نجت بهم سوابقهم المضمرة ، وعاد الأتراك والعرب الى دمشق ظافرين غانمين منصورين مسرورين ، آخر نهار ذلك اليوم المذكور ، فابتهج الناس بهذا اليوم السعيد ، والنصر الحميد ، وقويت به النفوس ، وانشرحت به الصدور ، وعزم العسكر على مباكرتهم بالزحف الى مخيمهم ، عند تكامل وصوله (١٢٤ و) وتسرع إليهم جماعة من الخيل وافرة ، وهم ينظرون إلى كثرة النار ، وارتفاع الدخان ، وهم يظنون أنهم مقيمون ، فلما دنوا من المنزل صادفوهم ، وقد رحلوا آخر تلك الليلة ، عندما جاءهم الخبر ، وقد أحرقوا أثقالهم وآلاتهم ، وعددهم وسلاحهم ، إذ لم يبق لهم ظهر يحملون عليه ، عند ما عرفوه من حقيقة الأمر ، الذي لا يمكن معه المقام ، مع معرفتهم بكثرة عسكر الأتراك ، ولا طاقة لهم به ، ولم يتمالكوا أن رحلوا لا يلوون على منقطع ، ولا يقفون على مقصر ، وخرجوا إلى منزلهم فغنموا منه الشيء الكثير من أثاثهم وزادهم ، وصادفوا
__________________
(١) هوWilliam de Bury ، كان يمتلك موقعا على مقربة من صور ، قاد حسب وليم الصوري : ٤٠ ـ ٤٢ ، أكثر من ألف من الفرسان انطلق بهم من مرج الصفر حيث كان معسكر الفرنجة ، وقد وصف وليم مقتل هؤلاء الفرسان ثم هزيمة جيوش الفرنجة وأحوال المناخ السيء آنذاك ، ومع هذا تبقى معلومات ابن القلانسي أكثر دقة وأوفى بالتفاصيل.