الفتّاك ، واسترق موضعا من حماة ، قصد إليه وعوّل في هجم البلد عليه ، وشد على من به من الحماة ، والرماة ، فاندفعوا بين يديه ، وهجم البلد بنفسه من ذلك المكان ، ولاذ من بها بالأمان ، وترامى إليه جماعة من حماتها مستأمنين ، فأمنهم ، وخلع عليهم ، وأحسن إليهم ، ونادى بالكف عنهم ، ورفع الأذية عن كافتهم ، ورد ما نهب عليهم ، فخرج إليه أكثر رجال القلعة طالبين الأمان ، فخلع عليهم (١٣١ ظ) وأمنهم ، فحين رأى الوالي ذلك ، وعرف عجزه عن المصابرة ، طلب إيمانه فأمنه ، وسلم القلعة بما فيها إليه ، وحصلت مع البلد في يديه بأسهل أمر وأسرع وقت ، فرتب لولايتها من اعتمد عليه ، وسكن في حفظها إليه ، ورحل عنها وقصد شيزر ، ونزل عليها ، وأمر بالعيث والفساد في نواحيها ، ولم يزل على هذه الحال ، إلى أن لوطف واستعطف بما حمل إليه ، ورحل عائدا الى دمشق ، ودخلها مسرورا ظافرا ، في ذي القعدة من السنة.
ومن اقتراحات شمس الملوك ، الدالة على قوة عزيمته ، ومضاء همته ، ومستحسن ابتدائه ، ما أحدثه من البابين المستجدين ، خارج باب الحديد من القلعة بدمشق ، الأوسط منها وباب جسر الخندق منها ، وهو الثالث لها ، أنشأهم في سنة سبع وعشرين وخمسمائة ، مع دار المسرة بالقلعة ، والحمام المحدثة من شامها ، على قضية اخترعها ، وبنية اقترحها ، وصفة آثرها ، فجاءت في نهاية الحسن والطيبة والتكوين والاعتدال ، وفرغ منها في أوائل سنة ثمان وعشرين وخمسمائة.
وفيها [ورد](١) الأمير المنتضى أبو الفوارس وثاب بن مسافر الغنوي ، رسولا من مصر في يوم السبت لأربع بقين من ذي القعدة منها ، بجواب ما كان صدر من مكاتبه شمس الملوك ، وأوصل ما صحبه من الخلع السنية ، وأسفاط الثياب المصرية ، والخيل والمال ، وقرى الكتاب الوارد على يده ،
__________________
(١) أضيف ما بين الحاصرتين كيما يستقيم السياق.