استدعاء الأفرنج من بلادهم ، وسلمت إليهم دمشق بما فيها ، وكان إثم دم من بها في رقبته» ، وأسر ذلك في نفسه ، ولم يبده لأحد من وجوه دولته ، وأهل بطانته ، وكانت كتبه بذلك ، بخط يده ، وشرع في نقل المال والأواني ، والثياب من خزانته الى حصن صرخد ، حتى حصل الجميع به ، ظنا منه أنه يفوز به ، ويهلك جميع الناس من بعده.
فلما بدأ هذا الأمر يظهر ، والسر فيه ينتشر ، شرع في القبض على أصحابه وكتابه وعماله ، وغيرهم من أهل دمشق ، ومقدمي الضياع ، وامتعض الأمراء والمقدمون ووجوه الغلمان الأتابكية ، وكافة العسكرية والرعية ، من هذا الفعل ، وأشفقوا من الهلاك والبوار إن تم هذا التدبير المذموم ، لما يعلمون من أفعال عماد الدين أتابك إذا ملك البلد ، فأجروا الحديث فيما بينهم سرا ، وأنهوا الحال فيه إلى والدته الخاتون صفوة الملك ، فقلقت لذاك ، وامتعضت منه ، واستدعته وأنكرته واشتبشعته ، وحملها فعل الجميل ، ودينها القويم وعقلها الرصين على النظر في هذا الأمر ، بما يحسم داءه ، ويعود بصلاح دمشق ومن حوته ، وتأملت الأمر في ذلك تأمل الحازم الأريب ، والمرتأي (١٣٥ ظ) المصيب ، فلم تجد لدائه دواء ، ولا لنفسه شفاء إلا بالراحة منه ، وحسم أسباب الفساد المتزايد عنه ، وأشار عليها وجوه الغلمان وأكابرهم بذاك واستصوبوا رأيها فيه ، وبعثوها على العاجلة له ، قبل ظهور الشر ، وفوات الأمر ، وأنه لا ينفع فيه أمر ، ولا ينجع معه وعظ ، فصرفت الهمة الى مناجزته ، وارتقبت الفرصة في خلوته الى أن تسهل الأمر المطلوب ، عند خلوته من غلمانه ، وسلاحيته ، فأمرت غلمانها بقتله ، وترك الامهال له ، غير راحمة له ، ولا متألمة لفقده ، لما عرفت من قبيح فعله ، وفساد عقله ، وسوء سيرته ، ومذموم طريقته ، وأوعزت بإخراجه حين قتل ، وإلقائه في موضع من الدار ، ليشاهده غلمانه وأصحابه ، وكلّ سر بمصرعه ، وابتهج بالراحة منه ، وبالغ