أبو تغلب مثله أيضا ، فلما توجه الفضل على الساحل ونزل على عسقلان ، وقصد ابن جراح أبا تغلب بعسكره ، وسارت بنو عقيل وشبل بن معروف واصطفوا لقتال الطائيين (١) وأبو تغلب واقف في مصافّه ، وعاد الفضل واجتمع مع ابن الجرّاح بعسكره ، وكان معه مغاربة كثيرة ، فقالوا لأبي تغلب : قد اجتمع عسكر الفضل مع عسكر ابن جرّاح؟ فقال : على هذا جرت الموافقة بيني وبينه ، فلما نظر المغاربة الذين كانوا مع أبي تغلب إلى مغاربة الفضل قد أقبلوا مع عسكر ابن جرّاح حملوا يريدون الدخول معهم ، فقالوا لابي تغلب : إحمل في إثر هؤلاء من قبل أن يدهمك الأمر ، فبقي متحيرا وعلم أن الحيلة قد تمّت عليه ، فلما حمل المغاربة الذين كانوا معه وساروا مع أصحابهم ، وأقبل العسكران على عسكر أبي تغلب فانهزم جميع من كان معه ، ثم انهزم هو ، فلم يدر في أي طريق يأخذ ، وكانت عدته في الغابة جميعها ، وذكر انه لم يتقدّم اليه رجل إلا ضربه ، ولم يزل على ذلك حتى تبعه رجل من أصحاب ابن جرّاح يقال له منيع فصاح إليه : يا انسان اسمع مني أنا أنجو بك ، وظن أن كلامه حق ، فقال له : هذه الخيل التي أمامك خيلنا فلو وقفت عليّ لنجوت بك ، وكان يتكلم معه وهو يقرب منه وبيده رمح ، فطول الرمح وهو يكلمه وهو يظن ألا يقدر عليه فلم يمكنه في أبي تغلب شيء ، فطعن عرقوب فرسه ، فوقف به الفرس فأخذه وسار به الى ابن جراح ، فأركب جملا وأشهر بالرملة وقتله وأحرقه ، وذلك في صفر سنة تسع وستين وثلاثمائة وخلت الديار لابن جراح ، وأتت بنو طيء على الناس (٢) ، وشملهم البلاء منهم.
وكان العزيز قد خاف من الملك عضد الدولة فناخسره بن بويه خوفا شديدا لأنه كان عازما على انفاذ العساكر إلى مصر ، فعاقه عن ذلك الخلف الجاري بينه وبين أخيه واشتغاله به سنة تسع وستين وثلاثمائة (٣).
__________________
(١) في الأصل واصطلوا القتال للطائيين ، وهي عبارة فيها تصحيف وغموض دفع ناشر الكتاب إلى قراءة عبارة للطائيين «للطاس» ولعل ما أثبتناه هو الصواب.
(٢) عند يحيى بن سعيد الأنطاكي المزيد من المعلومات ص : ١٥٩ ـ ١٦٠. أنظر أيضا تجارب الأمم : ٢ / ٤٠١ ـ ٤٠٤.
(٣) أنظر ذيل أبي شجاع على تجارب الأمم : ١ / ٩.