فأقام بها شهورا فشق على قسّام مقامه وظن أنه يلي البلد ، فلما كان في بعض الأيام وقف رجل من العجم من أصحاب أبي تغلب في باب الجابية ، وكان نشوانا ، فجرد سيفه وقال : إلى كم يكون هذا العيّار ، فعظم ذلك على قسّام وتخوف أن يكون لأبي تغلب سلطنة فيملكه ومن معه ، ففسد الأمر بينهما بهذا السبب ، وتقدم قسّام إلى أصحابه بأخذ كل من يدخل من أصحاب أبي تغلب ، فكمنوا في خراب قينية فأخذوا منهم نحو سبعين رجلا وقتلوا منهم جماعة ، وعاد من أفلت منهم الى أبي تغلب عراة قد أخذت ثيابهم ودوابهم ، فلم يتمكن أبو تغلب من شيء يفعله ، وكتب الى مصر بذلك ، فلما وقف ابن كلس الوزير على الكتاب أنهاه إلى العزيز ، فعلم العزيز أن هذا من تدبير الوزير وحيله ، وكتب قسّام إلى مصر يذكر أن أبا تغلب قد حصر دمشق ومد يده في الغوطة ، وخرج من مصر غلام لابن كلس يقال له الفضل بن أبي الفضل في عسكر كثيف للحيلة على أبي تغلب وإهلاكه ، ونزل الرملة وأوصل الى ابن جراح سجلا بولاية الرملة وقال : إن هذا أبا تغلب يريد أن يسير اليها ليأخذها بسيفه ، وأنا معين لك عليه ، وكان أبو تغلب قد رحل عن دمشق نحو الفوّار (١) ونزل عليه ، وسار الفضل ، ونزل طبرية وراسل أبا تغلب في الاجتماع معه ، وكان الفضل يهوديا أولا ، وكان أبوه طبيبا ، فكبرت نفس أبي تغلب أن يجلس معه على سرير من جهة اليهودية ، فأعلم ذلك ، فقال : كلّ منا على سرير ، فاجتمعا في طبرية وجلس كل منهما على سرير ، وجرت بينهما محاورات على أن الرملة ولاية لأبي تغلب ويقلع ابن جرّاح منها «وأنا معين لك عليه» وقرر ذلك في نفسه ، وسار الفضل الى دمشق يجبي الخراج ويفضّه في الجند ، وزاد في العطاء ، وزاد في جنده وعسكره ، وسار عن دمشق وأخذ طريق الساحل ، وشرع أبو تغلب في أمره ، وتوجه نحو الرملة وقد اجتمع إليه بنو عقيل مع شبل بن معروف العقيلي ، فهرب ابن جرّاح (١٩ و) منها ، وجعل يحشد العرب ويحشد ثقة بمعونة الفضل له ، وكذلك
__________________
(١) هو أحد ينابيع بلدة الحمة ـ المحتلة ـ.