قام في حزبه على صاحبها الإمام الحافظ لدين الله أبي الميمون عبد المجيد ، وزحف إليه في قصره ، وأقام عليه كالمحاصر له ، فعاد أكثر الجند عنه خوفا وقتلا ، فانخذل وانهزم ، وقيل إن السبب في ذلك كون أخ لمقدم الأرمن في الصعيد ، ورد عليه خبر قتله ، فغلظ هذا الأمر عليه ، وحمله على ما كان منه ، ثم إنه تلطف أمره بحيث عفي عنه ، ولزم داره خائفا مروعا.
وفي رجب من السنة نهض الأمير بزواج في العسكر ، ومن حشده وجمعه من التركمان الى ناحية طرابلس في الرابع منه ، فظهر إليه صاحبها في خيله من الأفرنج ، فكمن لهم في عدة مواضع ، فلما حصلوا بالموضع المعروف بالكورة (١) ظهرت عليهم الكمناء ، فهزموهم ، ووقع السيف في أكثرهم ، ولم يفلت منهم إلا اليسير ، وهجم على الحصن الذي هناك فنهبه ، وقتل من فيه من المقدمين والأتباع ، وأسر من بذل في نفسه المال الكثير ، وحصل له ولعسكره القيمة الكثيرة.
وفي شوال من السنة تقررت المهادنة والموادعة بين عماد الدين ، وبين شهاب الدين صاحب دمشق ، على قاعدة أحكمت.
وفي ذي الحجة منها ، ورد الخبر بعود متملك الروم في عسكره عن أنطاكية الى ناحية بعرين (٢) من عملها في الثاني والعشرين منه ، (١٤٣) وأنفذ رسوله إلى عماد الدين أتابك ، وظفر الأمير سوار النائب عنه في حلب بسرية وافرة العدد من عسكر الروم ، فقتل بعضا ، وأسر بعضا ، ودخل بهم إلى حلب.
__________________
(١) ما زالت تعرف بهذا الاسم في منطقة طرابلس في لبنان.
(٢) كذا بالأصل ، وهو مضطرب ويمكن أن يكون صوابه «في عسكره عن شيزر إلى ناحية بعرين» ، فالامبراطور البيزنطي حاصر شيزر ، وهذا ما سيفصل خبره المؤلف بعد قليل ، وهو ما أتت على ذكره جميع المصادر ، هذا وسيشير المؤلف أيضا أنه بعد عودة الامبراطور الى أنطاكية ، بعدما أخفق في أخذ شيزر ، توجه من أنطاكية نحو بزاعة حيث أخذها ...