لعجرفة فيه واقدام على استعمال الشر ، ونودي عليه بفساد أمره ، وظهور غدره ومكره ، وكثرة جهله ، وتناهيه في سوء فعله ، وأقام بظاهر البلد مدة ، وعاد أمره انصلح ، ودخل البلد ، وأقام فيه مستقيم الحال مبلغا غاية الآمال فعمل عليه شهاب الدين ، وقتله بقلعة دمشق بأيدي الشمسية ، في يوم الإثنين السادس من شعبان من السنة ، والسبب في ذلك أن شهاب الدين كان قد نقم عليه أمورا أنكرها ، واستوحش منه لأجلها ، وعبث بمال الارتفاع يمزقه في النفقات والاطلاقات ، فأعمل الحيلة في قتله ، وآنسه وطمنه إلى حين وجد الفرصة فيه متسهلة ، وحصل عنده بقبة الورد في داره بالقلعة ، وقد رتب له جماعة من الأرمن الشمسية ، أصحاب ركابه ، وقرر معهم قتله ، فحين تمكنوا منه بخلوة من أصحابه قتلوه ، وأخرجوه ملفوفا في كساء إلى المقبرة المبنية لزوجته ، فدفن بها.
وفي يوم الأحد السابع عشر من شعبان من السنة ، خلع شهاب الدين على الأمير معين الدين أنر ، وقرر له أمر الأسفهسلارية ، وخوطب بالأتابكية ، ورد أمر الحجبة الى الأمير الحاجب أسد الدين أكز ، وطيب بنفسيهما ، وردّ التدبير والتقرير في سائر الأعمال ، وعامة الأحوال إليهما.
وفي هذا (١٤٤ ط) الشهر وردت الأخبار من ناحية الشمال ، بنزول ملك الروم في عسكره على شيزر ، محاصرا لها ، ومضايقا عليها ، ونصب عليها عدة من المناجيق ، واشتدت الحرب بينه وبين أهلها ، وقتل فيها جماعة من المسلمين بحيث أشرفت على الهلاك ، مع مبالغة الأمير عماد الدين أتابك في إمدادها بالرجالة والسلاح وآلات الحرب ، وكونه بإزاء الروم يجول بخيله على أطرافهم ، ويفتك بمن يظفر به منهم ، ولم يزالوا على هذه القضية الى أن سئموا المقام عليها ، ويئسوا من بلوغ الغرض فيها ، ولطف الله تعالى بأهل الشام ، وتداركهم برحمته ، وورد خبر رحيلهم عن شيزر الى أنطاكية ، واستبشر الناس برحيلهم ، وعودهم خاسرين ، غير ظافرين ، ومفلولين غير فالين ، فلله تعالى الحمد على هذه النعمة دائما ، والشكر متواصلا متتابعا.