أماكنهم على جاري عادتهم ، فلما انتصف الليل وتحققوا نومه ، وثبوا عليه ، فقتلوه في فراشه على سريره ، وصاح فراش آخر كان معهم ، فقتلوه أيضا ، ودبروا أمرهم بينهم ، وأخفوا سرهم ، بحيث خرجوا من القلعة ، وظهر الأمر ، وطلب البغش لعنه الله ، فهرب ونهب بيته ومسك الآخران (١) ، فصلبا على سور باب الجابية.
وكتب إلى الأمير جمال الدين محمد بن تاج الملوك أخيه ، صاحب بعلبك ، بصورة الحال ، فبادر بالوصول الى دمشق في أسرع وقت ، وأقرب أوان ، فجلس في منصبه ، وعقد الأمر له واستحلف الأمراء والمقدمين والأعيان على الطاعة والمناصحة في خدمته ، فتقررت الحال ، وسكنت الدهماء ، وظهرت الكائنة ، وانكشفت الغماء.
وحين انتهى (الخبر) (٢) الى الخاتون صفوة الملك والدة الأمير شهاب الدين رحمهالله ، قلقت وانزعجت وحزنت عليه ، وأسفت وأكبرت هذا الأمر ، وحدوث مثله ، على ولدها ، وراسلت الأمير عماد الدين أتابك ، وهو بناحية الموصل ، معلمة له بصورة الحال ، وباعثة لهمته على النهوض لطلب الثأر ، من غير تلوم ولا إغفال ، فحين وقف على الخبر ، امتعض له ، أشد الامتعاض ولم يكن باستمرار مثله بالراضي ، وصرف الاهتمام الى التأهب لما حرضته عليه ، وأشارت إليه ، والاستعداد له ، والاحتشاد لقصده وثنى أعنّة (١٤٧ و) الاعتزام إلى ناحية الشام ، مجدا في قصد دمشق لبلوغ كل مطلب ينحوه ، ومرام ، وتناصرت الأخبار بهذه العزيمة الى دمشق ، فوقع الاحتياط ، والتحرز من جانبه والاستعداد ، ثم تلا ذلك ورد الخبر بنزوله على بعلبك في يوم الخميس العشرين من ذي الحجة من السنة ، في عسكر كثيف ، وجم غفير ،
__________________
(١) ذكر سبط بن الجوزي اسميهما فقال : يوسف البواب الخادم وعنبر الفراش ويعرف بالخركاوي. مرآة الزمان : ١ / ١٧١.
(٢) أضيف ما بين الحاصرتين من مرآة الزمان : ١ / ١٧٢.