وكان معين الدين قد حصل آلات الحرب والمنجنيقات ، وجمع من أمكنه جمعه من الخيل والرجل ، وتوجه الى ناحية صرخد وبصرى بعد أن أخفى عزيمته ، وستر نيته استظهارا لبلوغ طلبه ، وتسهيل أربه (١٥٧ و) ونزل غفلة على صرخد ، وكان المعروف بها بالتونتاش غلام أمين الدولة كمشتكين الأتابكي ، الذي كان واليها أولا ، وكانت نفسه قد حدثته بجهله ، أنه يقاوم من يكون مستوليا على مدينة دمشق ، وأن الافرنج يعينونه على مراده وما يلتمسه من إنجاده وإسعاده ، ويكونون معه على ما نواه من عيثه وإفساده ، وكان قد خرج للأمر المقضي من حصن صرخد إلى ناحية الأفرنج للاستنصار بهم ، وتقرير أحوال الفساد معهم ، ولم يعلم أن الله لا يصلح عمل المفسدين ، ولم يشعر بما نواه معين الدين من إرهاقه بالمعاجلة ، وعكس آماله بالمنازلة فحال بينه وبين العود الى أحد الحصنين المذكورين ، ولم تزل المحاربة بين من في صرخد والمنازلين متصلة ، والنقوب مستعملة ، والمراسلات مترددة ، والتهديد ، إن لم يجب الى المطلوب ، ومعين الدين لا يعدل عن المغالطة والمدافعة ، وكان قد عرف تجمعهم وتأهبهم للنهوض إليه وإزعاجه وترحيله (١) عنها ، فأوجبت هذه الحال أن راسل نور الدين صاحب حلب يسأله الانجاد على الكفرة الأضداد بنفسه وعسكره ، فأجابه الى ذلك ، وكان لاتفاق الصلاح مبرزا بظاهر حلب في عسكره ، فثنى إليه الأعنة ، وأغذ السير ، ووصل الى دمشق في يوم الأربعاء السابع وعشرين من ذي الحجة من السنة ، وخيم بعين (٢) شواقة ، وأقام أياما يسيرة ، وتوجه نحو صرخد ، ولم يشاهد أحسن من عسكره وهيئته وعدته ، ووفور عدته.
واجتمع العسكران وأرسل من بصرخد اليهما يلتمس الأمان ، والمهلة أياما ، ويسلم المكان ، وكان ذلك منهم على سبيل المغالطة والمخاتلة ، إلى حين
__________________
(١) في الأصل «وترحيلهم» وهو تصحيف صوابه ما أثبتنا.
(٢) لم أجدها في المصادر الجغرافية.