يصل عسكر الأفرنج لترحيل النازلين عليهم ، وقضى الله تعالى للخيرة التامة للمسلمين ، والمصلحة الشاملة لأهل الدين وصول من أخبر بتجمع الافرنج واحتشادهم ونهوضهم في فارسهم وراجلهم مجدين السير إلى ناحية بصرى ، وعليها فرقة وافرة من العسكر محاصرة لها ، فنهض العسكر في الحال والساعة عند المعرفة بذاك إلى ناحية بصرى ، كالشواهين إلى صيدها والبزاة (١٥٧ ظ) الى حجلها ، بحيث سبقوا الأفرنج الى بصرى ، فحالوا بينهم وبينها ، ووقعت العين على العين ، وقربت المسافة بين الفريقين ، واستظهر عسكر المسلمين على المشركين ، ملكوا عليهم المشرب والمسرب وضايقوهم برشق السهام وإرسال نبل الحمام ، وأكثروا فيهم القتل والجراح وإضرام النيران في هشيم النبات في طرقهم ومسالكهم ، وأشرفوا على الهلاك والدمار ، وحلول البوار ، وولوا الأدبار ، وتسهلت الفرصة في إهلاكهم ، وتسرعت الفوارس والأبطال إلى الفتك بهم ، والمجاهدة فيهم.
وجعل معين الدين يكف المسلمين عنهم ، ويصدهم عن قصدهم ، والتتبع لهم في انهزامهم ، إشفاقا من كرة تكون لهم ، وراجعة عليهم ، بحيث عادوا على أعقابهم ناكصين ، وبالخذلان منهم منهزمين ، قد شملهم الفناء ، وأحاط بهم البلاء ، ووقع اليأس من فلاحهم ، وسلمت بصرى الى معين الدين بعد تقرير أمر من بها ، وإجابتهم على ما اقترحوه من اقطاعاتهم ، ورحل عنها عائدا الى صرخد ، وجرى الأمر في تسليمها إلى معين الدين على هذه القضية ، وعاد العسكران إلى دمشق ووصلاها في يوم الأحد السابع والعشرين من المحرم سنة اثنتين وأربعين ، وأقام نور الدين في الدار الأتابكية ، وتوجه عائدا إلى حلب في يوم الأربعاء انسلاخ المحرم من السنة المذكورة.
وفي هذا الوقت وصل ألتونتاش ، الذي خرج من صرخد إلى الأفرنج بجهله وسخافة عقله ، إلى دمشق من بلاد الأفرنج ، بغير أمان ولا تقرير واستئذان ، توهما منه أنه يكرم ويصطنع بعد الإساءة القبيحة ، والارتداد