النفوس ، فما حفل بكلامه ، ولا أصغى إلى إشارته ، وتغافل عنه للأمر المقضي ، وأعان هذا الخارجي قوم من المقدمين على مرامه وحامى عنه (١).
ثم عاد إلى السوس إلى جبل درن ، وكان يقول للناس : كلما قربتم من المرابطين وملتم إليهم ، كانوا مطاياكم إلى الجنة ، لأنهم حماة الدين والذابّون عن المسلمين ، ثم حمل المرابطين والملثمين ، وقد مال معه منهم الخلق الكثير والجم الغفير على محاربة الأمير علي بن يوسف بن تاشفين (٢) وجمع عليه وحشد ، وقويت نفسه (١٥٩ و) ونفوس من معه على اللقاء ، ومعهم أصحاب القوة والبسالة ، وشدة البأس والشجاعة ونشبت الحرب بين الفريقين ، وأريقت الدماء بين الجهتين ، ولم تزل رحى الحرب دائرة بينهم الى أن كان بينهم في عدة سنين متوالية أربعة مصافات هائلة منكرة ، قتل فيها من الفريقين ما قدر وحزر تقدير مائتي ألف نفس ، ولم تزل الحرب على هذه القضية الشنيعة ، والصفة الفظيعة الى أن أهلكه الله تعالى بمدينة درن في سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة (٣) ، وخلف جماعة من تلامذته وأصحابه ، سلكوا سبيله ، وبنوا على بنائه ، وسلكوا مذهبه في الفساد ، وتولد بينهم مذهب سموه «تكفير الذنب» (٤) ، هذا ما أورده وحكاه وشاهده ، واستقصاه الفقيه أبو عبد الله محمد بن عبد الجبار الصقلي بإملائه من لسانه.
__________________
(١) ممن دافع عنه القائدان ينتان بن عمر ، وسير بن وربيل. أخبار المهدي : ٢٨.
(٢) كذا وهو وهم ، فالمهدي حارب المرابطين والملثمين وأميرهم علي بن يوسف ، حاربهم بمصمودة وسواها من القبائل. انظر المصادر المذكورة أعلاه.
(٣) كذا وهو وهم ، فقد توفي المهدي في تينملل في جبل درن «يوم الاثنين الرابع عشر لشهر رمضان المعظم من عام أربعة وعشرين وخمسمائة». الحلل الموشية : ١١٧.
(٤) يبدو أن المقصود بهذا ما يعرف في المصادر المغربية والأندلسية باسم «التمييز» حيث كانت تجري مذابح كبيرة جدا.