واستشهد في هذا اليوم الفقيه الامام يوسف الفندلاوي المالكي (١) رحمهالله ، قريب الربوة على الماء ، لوقوفه في وجوههم ، وترك الرجوع عنهم ، اتباعا لأوامر الله تعالى في كتابه الكريم ، وكذلك عبد الرحمن الحلحولي الزاهد رحمهالله جرى أمره هذا المجرى.
وشرعوا في قطع الأشجار والتحصين بها ، وهدم الحظائر (٢) وباتوا تلك الليلة على هذه الحال ، وقد لحق الناس من الارتياع لهول ما شاهدوه ، والروع بما عاينوه ، ما ضعفت به القلوب ، وحرجت معه الصدور ، وباكروا إليهم في غد ذلك اليوم ، وهو يوم الأحد تاليه ، وزحفوا إليهم ، ووقع الطراد بينهم ، واستظهر المسلمون عليهم ، وأكثروا القتل والجراح فيهم ، وأبلى الأمير معين الدين في حربهم بلاء حسنا ، وظهر من شجاعته وصبره وبسالته ما لم يشاهد في غيره ، بحيث لا يني في ذيادتهم ولا ينثني عن جهادهم ، ولم تزل رحى الحرب دائرة بينهم ، وخيل الكفار محجمة عن الحملة المعروفة لهم ، إلى أن تتهيأ الفرصة لهم الى أن مالت الشمس إلى الغروب ، وأقبل الليل ، وطلبت النفوس الراحة ، وعاد كل منهم الى مكانه ، وبات الجند (١٦٢ و) بازائهم ، وأهل البلد على أسوارهم للحرس والاحتياط ، وهم يشاهدون أعداءهم بالقرب منهم.
وكانت المكاتبات قد نفذت الى ولاة الأطراف ، بالاستصراخ والاستنجاد ، وجعلت خيل التركمان تتواصل ، ورجاله الأطراف تتابع ، وباكرهم المسلمون ،
__________________
(١) هو «يوسف» بن دوناس بن عيسى ، أبو الحجاج المغربي ، الفقيه المالكي ... قدم الشام ، وسكن بانياس مدة ، وانتقل الى دمشق ، فاستوطنها ، ودرس بها بمذهب مالك ، وحدث بالموطأ وغيره ... وكان شيخا حسن المفاكهة ، حلو المناظرة ... كريم النفس ، مطرحا للتكلف ، قوي القلب ، صاحب كرامات». مرآة الزمان : ١ / ٢٠٠.
(٢) في الأصل «العطاير» وهي تصحيف لعل صوابها ما أثبتنا.