وقد قويت نفوسهم ، وزال روعهم ، وثبتوا بإزائهم ، وأطلقوا فيهم السهام ، ونبل الجرخ (١) بحيث تنتع في مخيمهم في راجل ، أو فارس ، أو فرس ، أو جمل.
ووصل في هذا اليوم من ناحية البقاع وغيرها ، رجالة كثيرة من الرماة ، فزادت بهم العدة ، وتضاعفت العدة ، وانفصل كل فريق الى مستقره هذا اليوم وباكروهم من غده يوم الثلاثاء كالبزاة الى يعاقيب (٢) الجبل ، والشواهين الى مطار الحجل ، وأحاطوا بهم في مخيمهم ، وحول مجثمهم ، وقد تحصنوا بأشجار الزيتون ، وأفسدوها رشقا بالنشاب ، وحذفا بالأحجار ، وقد أحجموا عن البروز ، وخافوا وفشلوا ، ولم يظهر منهم أحد ، وظن بهم أنهم يعملون مكيدة ، ويدبرون حيلة ، ولم يظهر منهم إلا النفر اليسير من الخيل والرجل على سبيل المطاردة والمناوشة ، خوفا من المهاجنة ، الى أن يجدوا لحملتهم مجالا ، أو يجدون الغرة احتيالا ، وليس يدنو منهم أحد إلا صرع برشقة أو طعنة ، وطمع فيهم نفر كثير من رجاله الأحداث والضياع ، وجعلوا يرصدونهم في المسالك وقد أينوا (٣) فيقتلون من ظفروا به ، ويحضرون رؤوسهم لطلب الجوائز عنها ، وحصل من رؤوسهم العدد الكثير.
وتواترت إليهم أخبار العساكر الاسلامية ، بالخفوف الى جهادهم ، والمسارعة الى استئصالهم ، فأيقنوا بالهلاك والبوار ، وحلول الدمار ، وأعملوا الآراء بينهم ، فلم يجدوا لنفوسهم خلاصا من الشبكة التي حصلوا فيها ، والهوة التي ألقوا بنفوسهم إليها ، غير الرحيل سحر يوم الأربعاء التالي مجفلين ،
__________________
(١) كانت هذه السهام تطلق من قسي خاصة ، قوية وبعيدة المدى ، وغالبا ما كانت تحمل مواد ملتهبة من النفوط وغير ذلك. انظر مادة جرخ في معجم دوزي : ١ / ١٨٢ ، ونتع الدم خرج من الجرح. القاموس.
(٢) جمع يعقوب وهو الحجل. القاموس المحيط.
(٣) الأين : الإعياء والتعب. النهاية لابن الأثير.