الأعمال الدمشقية ، فاقتضت الحال نهوض الأمير معين الدين في العسكر الدمشقي الى أعمالها ، مغيرا عليها وعائثا فيها ، وخيم في ناحية حوران بالعسكر ، وكاتب العرب في أواخر سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة ، ولم يزل مواصلا للغارات وشنها على (١٦٤ ظ) بلادهم وأطرافهم مع الأيام وتقضيها ، والساعات وتصرمها ، واستدعى جماعة وافرة من التركمان ، وأطلق أيديهم في نهب أعمالهم ، والفتك بمن يظفر به في أطرافهم : الحرامية ، وأهل الفساد ، والاخراب ، ولم يزل على هذه القضية لهم محاصرا ، وعلى النكاية فيهم والمضايقة لهم مصابرا ، الى أن ألجأهم الى طلب المصالحة ، وتجديد عقد المهادنة ، والمسامحة ببعض المقاطعة ، وترددت المراسلات في تقرير هذا الأمر ، وإحكام مشروطه وأخذ الأيمان بالوفاء بشروطه في المحرم سنة أربع وأربعين وخمسمائة ، وتقررت حال الموادعة مدة سنتين ووقعت الأيمان على ذلك ، وزال الخلف ، واطمأنت النفوس من أهل العملين بذلك ، وسكنت الى تمامه ، وسرت بأحكامه.
ووافق ذلك تواصل كتب نور الدين صاحب حلب الى معين الدين ، يعلمه أن صاحب أنطاكية جمع أفرنج بلاده ، وظهر يطلب بهم الافساد في الأعمال الحلبية ، وأنه قد برز في عسكره الى ظاهر حلب للقائه ، وكف شره عن الأعمال ، وأن الحاجة ماسة الى معاضدته بمسيره بنفسه وعسكره إليه ، ليتفقا بالعسكرين عليه ، فاقتضت الحال أن ندب الأمير معين الدين ، الأمير مجاهد الدين بزان بن مامين ، في فريق وافر من العسكر الدمشقي ، للمصير الى جهته ، وبذل المجهود في طاعته ومناصحته ، وتوجه في يوم [السبت](١) من العشر الأول من صفر من السنة ، وبقي معين الدين في باقي العسكر بناحية
__________________
(١) فراغ في الأصل ، والسبت يقابل العاشر من صفر ، ذلك أن ابن القلانسي نفسه وابن العديم في كتاب زبدة الحلب : ٢ / ٢٩٨ أوردا أن نور الدين اشتبك مع الفرنجة «يوم الأربعاء حادي وعشرين من صفر». انظر أيضا الكواكب الدرية : ١٣٠.