دمشق وما والاها ، (١٦٩ ظ) وفي يوم الخميس تاليه قصد فريق وافر منهم ناحية السهم (١) والنيرب ، وكمنوا عند الجبل لعسكر دمشق ، فلما خرج منها إليها أسرع النذير إليهم ، فحذرهم ، وقد ظهر الكمين فانهزموا الى البلد ، وخرج من أعقابهم ، وسلموا من الايقاع بهم ، وفي يوم الجمعة تاليه وصل نور الدين في عسكره ، ونزل على عيون فاسريا (٢) ما بين عذراء ودومة ، وامتدوا الى تلك الجهات ، وفي يوم السبت التالي له رحلوا من ذلك المكان ونزلوا في أراضي حجيرا وراوية (٣) ، وتلك الجهات في الخلق الكثير ، والجم الغفير ، وانبثت أيدي المفسدين في العسكر الدمشقي والأوباش من أهل العيث والإفساد في زروع الناس ، فحصدوها واستأصلوها وفي الثمار فأفنوها بلا مانع ولا دافع ، وضر ذلك بأصحابها الضر الزائد ، وتحرك السعر وانقطعت السابلة ، وضاقت الصدور ، ووقع التأهب والاستعداد لحفظ البلد والسور ، ووافت رسل نور الدين الى ولاة أمر البلد ، تقول : أنا ما أوثر إلا صلاح المسلمين ، وجهاد المشركين ، وخلاص من في أيديهم من الأسارى فان ظهرتم معي في عسكر دمشق ، وتعاضدنا على الجهاد ، وجرى الأمر على الوفاق والسداد ، فذلك غاية الإيثار والمراد ، فلم يعد الجواب إليه بما يرضاه ويوافق مبتغاه.
وفي يوم السبت الثالث والعشرين منه رحل نور الدين في عساكره عن ذلك المنزل ، بحيث نزل في أرض مسجد القدم وما والاه من الشرق والغرب ، ومبلغ منتهى الخيم الى المسجد الجديد قبلي البلد ، وهذا منزل ما نزله أحد من مقدمي العساكر فيما سلف من السنين ، وجرى بين أوائل العسكر ، وبين من ظهر إليه من البلد مناوشات ، ثم عاد كل الى مكانه ، ولم تزل الحال مستمرة
__________________
(١) السهم والنيرب من منتزهات دمشق في أرض الصالحية. غوطة دمشق : ١٠ ، ٧٦.
(٢) معروفة في سفح جبل دوما. غوطة دمشق : ٧٥.
(٣) راوية هي بلدة الست «السيدة زينب» الحالية ، وحجيرا (واسمها الآن حجرا) على مقربة منها. غوطة دمشق : ٢٢٩ ـ ٢٣٢.