من نفاه من المعاندين له ، بحيث طابت نفسه ، وتوكد أنسه ، فعرض بينه وبين أخويه عز الدولة وزينها مشاحنات ومشاجرات ، اقتضت المساعدة الى مجير الدين ، في جمادى الأولى من السنة ، وأنفذ مجير الدين الى الرئيس يستدعيه للاصلاح بينهم في القلعة ، فامتنع من ذلك ، وجلس في داره ، وهم بالتحصن عنه بأحداث البلد والغوغاء ، وآلت الحال إلى تمكن زين الدين منه بمعاونة مجير الدين عليه لأسباب تقدمت ، وتقرر بينهما إخراج الرئيس من البلد وجماعته الى حصن صرخد مع مجاهد الدين بزان واليه في يوم الثلاثاء التاسع عشر من جمادى الأولى ، بعد أن قرر له بقاء داره وبستانه وما يخصه ويخص أصحابه ، وتقلد أخوه زين الدين له مكانه ، وخلع عليه ، وأمر ونهى ، ونفذ الأشغال على عادته في العجز والتقصير وسوء الأفعال والتماس الرشاء على أقل الأعمال ، ورأى مجير الدين عقيب ذلك التوجه الى بعلبك لتطييب نفس واليها عطاء الخادم ، واستصحابه معه الى دمشق لينوب عنه في تدبير الأمور ، والمعونة على مصالح الأحوال ، وعاد وهو معه ، واستشعر مجاهد الدين أن نية مجير الدين قد تغيرت فيه ، فاستوحش من عوده الى البلد عن غير يمين يحلف له بها على إيمانه على نفسه ، فوعد بالإجابة الى ما رغب فيه ، وبقي الأمر موقوفا لأسباب اقتضت التوقف.
ووردت الأخبار في أثناء ذلك بأن الافرنج النازلين على عسقلان قد (١٧٤ ظ) ضايقوها بمغاداة القتال ومراوحته ، الى أن تسهلت لهم أسباب الهجوم عليها من بعض جوانب سورها ، فهدموه وهجموا البلد ، وقتل بين الفريقين الخلق الكثير ، وألجأت الضرورة والغلبة الى طلب الأمان ، فأجيبوا إليه ، وخرج منها من أمكنه الخروج في البر والبحر الى ناحية مصر وغيرها ، وقيل إن في هذا الثغر المفتتح من العدد الحربية والأموال ، والميرة والغلال ما لا يحصر فيذكر ، ولما شاع هذا الخبر في الأقطار ساء سماعه ، وضاقت الصدور ، وتضاعفت الأفكار بحدوث مثله ، فسبحان من لا يرد نافذ قضائه ، ولا يدفع محتوم أمره عند نفوذه ومضائه.