وأنفذ إلى أهل حمص رسولا يقول لهم نريد مالا يحمل إلينا ، فقالوا : هذا بلد خراب ليس فيه مال ، فرجع ونزل عليها وقال لأهلها : من خرج من البلد فهو آمن ، فخرج قوم وأقام قوم فدخل عسكره فنهب وسبى وأحرق الجامع ومواضع من البلد ، وتحصّن قوم بالمغاير ، فأوقد عليهم فأهلكهم الدخان ، ولم يعرض للعرب ولا لمن هرب إليها ، وكان دخول الروم إلى حمص يوم الثلاثاء التاسع عشر من جمادى الأول سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة وهي النوبة الثانية للروم ، وقيل إن أبا المعالي بن سيف الدولة خاف من أخذ بكجور حلب بالمغاربة ، فأنفذ إلى ملك الروم يسأله إخراب حمص.
ورجع أكثر من كان مع بكجور من عسكر دمشق أصحاب القائد بلتكين ، وبقي بكجور وأصحابه منتظرا أن يرحل بلتكين عن دمشق ويسير اليها ، وكان السبب في تأخر ولاية دمشق أن الوزير ابن كلس كتب إلى بلتكين أن لا يسلّم دمشق إلى بكجور ، وعرف بكجور ذاك فكتب [إلى العزيز](١) يذكر بأمره وإنجاز وعده ، فسأل العزيز عن تأخر الأمر في ذلك فقال له الوزير : الصواب أن لا يلي بكجور دمشق ويعصي فيها ، قال : نحن استدعيناه لذلك ووعدناه به ، فقال : قد كان ذاك والحزم أن لا يولّى ، فقال له : لا بد من ذلك ، فكتب الوزير إلى منشا بن الغرار كاتب الجيش : واقف بكجور على ما يأخذ من المال له ولرجاله ، وسلم ولاية دمشق إليه ، فسلّم بلتكين البلد إليه وعاد متوجها الى مصرفي يوم الأحد مستهل رجب سنة اثنتين وسبعين وثلاثمائة ، وكانت ولاية بلتكين دمشق خمسة شهور ، ودخل بكجور البلد واليا في يوم السبت سابع رجب من السنة ، وقد عرف أن الذي أخر الولاية الوزير ابن كلس ، فحقد بكجور عليه ، وكان لابن كلس نائب في عمله وضياعه يقال له ابن أبي العود يهودي ، وكان يكتب إليه بأخبار البلد ، فقال بكجور : هذا عين عليّ ، وتقدّم بقتله
__________________
(١) في الأصل «وعرف العزيز ذاك وكتب يذكر بأمره وانجاز وعده» وفي هذا اضطراب وتداخل ولعل ما أثبتناه هو الصواب.