وما سمحت لغير علاه نفسي |
|
على ضني به عن كل فدم |
فلا زالت مطايا المدح تسري |
|
إليه وقد خلا من كل ذمّ |
مدى الأيام ما هتفت هتوف |
|
على غصن بغض النور ينمي |
قد تقدم من ذكر الملك العادل نور الدين في نهوضه من دمشق في عساكره الى بلاد الشام ، عند انتهاء الخبر إليه ، بتجمع أحزاب الأفرنج خذلهم الله ، وقصدهم لها ، وطمعهم فيها ، بحكم ما حدث من الزلازل والرجفات المتتابعة بها ، وما هدمت من الحصون والقلاع والمنازل في أعمالها وثغورها ، لحمايتها ، والذب عنها ، وايناس من سلم من أهل حمص وشيزر ، وكفرطاب ، وحماة وغيرها ، بحيث اجتمع إليه الخلق الكثير ، والجم الغفير ، من رجال المعاقل والأعمال ، والتركمان ، وخيم بهم بإزاء جمع الأفرنج في الأعداد الدثرة ، والتناهي في الكثرة بالقرب من أنطاكية ، وحصرهم بحيث لم يقدر فارس منهم على الإقدام على الإفساد.
فلما مضت أيام من شهر رمضان من سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة عرض للملك العادل نور الدين ابتداء مرض حاد ، فلما اشتد به ، وخاف منه على نفسه ، استدعى أخاه نصرة الدين أمير ميران ، وأسد الدين شيركوه ، وأعيان الأمراء ، والمقدمين ، وأوصى إليهم ما اقتضاه رأيه واستصوبه ، وقرر معهم كون أخيه نصرة الدين القائم في منصبه من بعده ، والساد لثلمة فقده لإشتهاره بالشهامة وشدة البأس ، ويكون مقيما بحلب ، ويكون أسد الدين في دمشق في نيابة (١٩٠ و) (١) نصرة الدين ، واستحلفت الجماعة على هذه القاعدة ، فلما تقررت هذه القاعدة ، اشتد به المرض ، فتوجه في المحفة الى حلب ، وحصل في قلعتها ، وتوجه أسد الدين الى دمشق لحفظ أعمالها من
__________________
(١) زيد ما بين الحاصرتين من الروضتين : ١ / ١١٤.