وسيفعل ولئن أفديك بنفسي وأكون وقاية لك ولدولتك أولى من التعريض بك ، فانتقل سعد الدولة والعمارية (١) في ظهره والراية في يده ، وجال بكجور في أربعمائة فارس من الغلمان عليهم الكذاغندات والخوذ وبأيديهم السيوف وعلى خيلهم التجافيف وحمل في عقب جولته حملة أفرجت له بها العساكر واللتوت ولم يزل يضرب بالسيف حتى وافى الى لؤلؤ فضربه على الخوذة في رأسه ووقع لؤلؤ إلى الأرض ، وحمل العسكر على بكجور ، وبادر سعد الدولة الى مكانه مظهرا نفسه لغلمانه ، فلما رأوه قويت نفوسهم وثبتت أقدامهم ، واشتدوا في القتال حتى استفرغ بكجور جهده ووسعه ، ولم يبق له قدرة ولا حيلة انهزم في سبعة نفر من غلمانه صوب حلب ، واستولى القتل والأسر على أصحابه وتم على الهزيمة ، وقد رمى عن نفسه جوشنه وعن فرسه تجافيفه وقد فعل من كان معه مثل فعله ، وكان الفرس الذي تحته من الخيول التي أعدها لمثل (٢٧ و) ما حصل فيه وثمنه عليه ألف دينار ، ووافى إلى رحا تعرف بالقيريمي على فرنسخ من حلب مقابلي (٢) قنسرين ، ولها ساقية تحمل إليها سعتها قدر ذراعين (٣) في سمك ذراع ، فحمل الفرس على أن يعبرها خوضا ووثبا فلم يكن فيه وأجهده ، ووقف به وناداه غلمانه : «إن الخيل قد أدركتنا» ، ولحقهم عشرة فوارس من العرب فأرجلوهم عن دوابهم ، وسلبوهم ثيابهم ، ولم يعرفوا بكجور وعادوا عنهم ، وبقي بكجور وغلمانه عراة فلجأوا إلى الرحا واستجاروا بصاحبها فأدخلهم إليها ، وجاءت سرية أخرى من العرب تطلب النهب فظنوا أن مع الغلمان الذين في الرحا ما يغنمونه منهم ، فطالبوا صاحبها بتسليمهم فأعلمهم أنهم عراة ، فقالوا : إن شاهدنا هم على ما ذكرت تركناهم وإلا أحرقنا الرحا ،
__________________
(١) غالبا ما كانت عبارة عن دمية أو ما يشبهها تمثل سيدة ـ ظعينة ـ مزينة بالذهب والحلي المختلفة توضع على ظهر جمل ويجلس تحت ثوبها أو خلفه أحد السادة يحركها حركات خاصة ، ويلتف حولها الفرسان للدفاع عنها والقتال دونها ، وما تزال عادة حمل العمارية قائمة ، شاهدتها مرارا في مدينة حماه.
(٢) كذا بالأصل وقد تكون تصحيف «مما يلي».
(٣) في زبدة الحلب : ١ / ١٧٩ «على نهر قويق».