واتفق ذاك وقد قوض الصيف خيامه ، وطوى بعد النشر أعلامه ، والشتاء قد أقبل بصره وهريره وقرّة وزمهريرة ، فالتمس من أهل دمشق على ما تقدم ذكره اخلاء (١) بيت لهيا ، فأجيب إلى ما طلب ، فنزل فيها وشرع في التوفر على استعمال العدل ، ورفع الكلف واحسان السيرة والمنع من الظلم ، واستخص رؤساء الأحداث وقدمهم واستحجب جماعة منهم ، وجعل يعمل لهم السمط في كل يوم يحضرهم للأكل عنده ويبالغ في تأنيسهم واستمالتهم بكل حال ، فلما مضت على ذلك برهة من الزمان أحضر قواده ووجوه أصحابه ، وتقدم إليهم بالكون على أهبة واستعداد لما يريد استخدامهم ، وتوقع لما يوصل إليهم من رقاعه المختومة بخاتمه والعمل به ، وقسم البلد وكتب إلى كل قائد بذكر الموضع الذي يدخل فيه ، ويضع السيف في مفسديه ، ثم رتب في حمام داره مائتي راجل من المغاربة بالسيوف ، وتقدم إلى المعروف بالباهري العلوي وكان من خواصه وثقاته بأن يراعي حضور رؤساء الأحداث الطعام فإذا أكلوا وقاموا إلى المجلس الذي جرت عادتهم بغسل أيديهم فيه أغلق عليهم بابه ، وأمر من رتّب في الحمام بوضع السيف في أصحابهم ، وكان كل رجل منهم يدخل ومعه جماعة من الأحداث معهم السلاح ، وحضر القوم على رسمهم ، فبادر جيش بالرقاع إلى قواده ، وجلس معهم للأكل ، فلما فرغوا نهض فدخل في حجرته ونهضوا الى المجلس وأغلق الفراشون بابه ، وكانت عدتهم اثني عشر رجلا يقدمهم المعروف بالدهيقين ، وخرج من بالحمام فوضعوا السيف في أصحابهم فقتلوهم بأسرهم ، وكانوا تقدير مائتي رجل ، وركب القواد ودخلوا البلد وقتلوا فيه (٣٧ ظ) قتلا ذريعا وثلموا السور من كل جانب ، وفتحوا أبوابه ورموها ، وأنزل المغاربة دور الدمشقيين ، وجرد إلى الغوطة والمرج قائدا يعرف بنصرون وأمره بوضع السيف في من بها من الأحداث ، فيقال أنه قتل ألف رجل منهم لأنهم كانوا كثيرين ، ودخل دمشق فطافها فاستغاث الناس وسألوا العفو
__________________
(١) موقع حي القصاع الحالي بدمشق.