بسم الله الرحمن الرحيم
يا وحيد سلمك الله ساعة وقوفك على هذا الكتاب ، اقبض على محمود بن محمد ، لا حمد الله أمره ، وسيره مع من يوصله من ثقاتك إلى الباب العزيز ، إن شاء الله.
فلما وقفت أخته على التوقيع ، قالت : يا أمير المؤمنين ، ومن هذا الكلب حتى ترفع من شأنه بحمله إلى حضرتك ، وبطن الأرض أولى به ، فأخذ الكتاب وزاد فيه : بل تضرب عنقه وتنفذ رأسه ، وختم الكتاب ثلاثة ختوم ، وأحضر سعيد بن غياث صاحب البريد ودفعه إليه ، فبادر به من وقته ، ومسافة ما بين القاهرة والرملة مائة فرسخ ، وكانت النوبة توافيها في الساعة الثالثة من اليوم الثالث ، ووصل الكتاب إلى وحيد ، وكان عادته إلى ابن النحوي دائما وربما أوصله أو حجبه (١) ، فلما وقف على الكتاب قال لدرّي غلامه ، الناظر في المعونة (٢) ، وكان أرمنيا فظا غليظا : اركب إلى محمود ـ وكان مخيما بظاهر الرملة ـ ، واستأذن عليه فإذا أوصلك فأبلغه سلامي واسأله الركوب إليّ لأقفه على ما ورد من حضرة السلطان ، فإن قال لك : «لم تجر بذلك عادته» ، فقل : كذا أمرت فيما ورد ، فمضى درّي إليه ، وبين يديه جماعة كثيرة من الرجال ، حتى وافى عسكر محمود ، واستأذن عليه ودخل إليه ، وقال له ما قاله وحيد الوالي ، فقال له : لم تجر بذلك العادة فيما تسومنيه ، وفي غد نجتمع ، فأجابه بما قال له وحيد ، فلما سمعه ضعفت نفسه وساء ظنه ، ولم يمكنه مخالفته ، فركب في موكبه ، وتوجه إلى دار وحيد ، وصار إلى وحيد من أعلمه ركوبه ، فتقدم إلى بعض حجابه ، وصاحب الخبر بالرملة بأن يتلقاه ، فإذا لقياه أنزلاه عن دابته ، وضربا عنقه ، وأخذا رأسه ، ففعلا ما أمرهما ، وحين وصل سوق البزّ صادفاه وأنزلاه بعد تمنّعه ، فأوقعا به وقطعا رأسه وحملاه إلى وحيد ، فأحضر القاضي
__________________
(١) أي كان يعود في أمره إلى ابن النحوي ، الذي كان يعامله باستعلاء.
(٢) أي صاحب الشرطة ، أو ما يقوم مقامها.