من يقتله من وجوه الدولة إلى قائد (١) القواد ، فلما رآه أسقط مغشيا عليه ، وعاد مسعود ليقبض على أبي غالب أخيه فوجده قد هرب ، فأعلم الحاكم ذلك فأمر بطلبه حتى ظفر به بعد شهر ، وغيّر حليته وحلق لحيته فألحقه بأخيه ، وأحضر أولاد فهد ، فخلع عليهم ، وكتب لهم سجلا بصيانتهم ، وحماية دورهم وإزالة الاعتراض عنهم ، وعن أسبابهم.
ونظر ابن العداس في الأعمال ، وشرع في تهذيب الأمور وتوفير الأموال ، وتوجه ابن النحوي إلى الشام على القاعدة المقررة مع الحاكم ، وكان قد أعدّ ما يحتاج إليه من آلة السفر والتجمّل ، واستكثر من ذلك ، وتناهى فيه ، وهابه الناس ، وتجنبوه ووصل أولا إلى الرملة ، فقبض على العمال والمتصرفين فيها ، وعسفّهم وألزمهم بمائتي ألف دينار ، ووضع السوط والعصا في المطالبة ، وبث أصحابه ونوابه إلى دمشق وطبرية والسواحل بعد أن واقفهم على أخذ العمال والمتصرفين في الأعمال ومصادرتهم ، وخبط الشام ، وعسف من فيه بطلب المال ، وكان في جملة العمال رجل نصراني يتعلق بخدمة ست الملك أخت الحاكم ، وله منها رعاية مؤكدة ، فكتب إليها يستصرخ بها ، ويشكو ما نزل بالناس من البلاء إليها ، وما شمل الشام وأهله من ابن النحوي ، وما بسط فيه من الظلم والعسف والجور مما لم يجر بمثله عادة في قديم الأزمان ولا حديثها ، فلما وصل الكتاب إليها ووقفت عليه ، دخلت على الحاكم ، وكان يشاورها في الأمور ، ويعمل برأيها ، ولا يخالف مشورة لها ، فعرضت عليه ما تضمنه الكتاب من الشكوى ، وقالت : يا أمير المؤمنين قد ظهر كذب ابن النحوي وابن العداس وإعمالهما على فهد ، وقتله مساعدة للحسين بن جوهر ، وقد أفسد البلاد عليك ، وأوحش الناس منك ، فإن كنت يا أمير المؤمنين (٤١ و) تريد أخذ أموال عبيدك فكل يبذلها لك طوعا ، ويحملها إلى خزانتك تبرّعا بعد أن يكونوا تحت ظل الصيانة وفي كنف الحياطة ، هذا ولم تجر عادات آبائك إطلاق المصادرات ، فأنكر الحاكم أنه لم يسمح لأحد منهما في ذلك ، وكتب إلى وحيد والي الرملة ، وكان الحاكم يكتم السر شديدا :
__________________
(١) الحسين بن جوهر ، وهو سيقتل فيما بعد أيضا.