الخروج من محبسه والعود إلى أمره ، سيما وكل من بمصر والشام من الولاة والعمال صنائع برجوان ، وقد جرى اصطناعه اياهم على يده ، فامتنع عليهما من قبله ، وكره قتله ، وقال لهما : ما له إليّ ذنب فأقتله به! وراجعاه القول وألحا عليه فيه ، فقال : إذا فعلت ما أردتماه فما التوثقة فيما بذلتماه؟ قالا : أن نكتب خطنا لك بأننا نكفيك أمورك ، ونقوم بتمشيتها على مرادك ، ونقيم لك وجه المال الذي ضمنّا استخراجه لك وتوفيره من الأعمال ، قال : فأيكما يخرج إلى الشام؟ قالا : عبدك ابن النحوي ، ويقيم ابن العداس بحضرتك ، فقرر ذلك معهما وأخذ به خطهما.
وكان من عادة الحاكم أن يطوف ليلا بمصر والقاهرة ، وقد منع التجار وأرباب الدكاكين أن يغلقوا دكاكينهم ، أو ينصرفوا عنها إلى منازلهم حتى صار الليل نهارا في معاملاتهم ، من اشعال السرج والشمع ، وإضاءة المحال والأسواق تقرّبا إليه ، ويطلق لهم المعونة الكثيرة على ذلك ، ويقف على دكاكينهم ، ويجتاز بينهم ولا يقدر أحد أن يقوم له أو يقبّل الأرض بين يديه ، فلما عاد في تلك الليلة سحرا من طوفه ، أمر مسعودا السيفي بأن يمضي إلى فهد بن ابراهيم الوزير يستدعيه ، فإذا دخل الحجرة ضرب عنقه وأحضر رأسه ، وأن يقبض على أبي غالب أخيه ، وكان شريرا مبغضا وإليه ديوان النفقات ، فمضى ووجد فهدا في الحمام ، فانتظره حتى خرج ثم استركبه وأشعره أنه يراد بخير وانزعج أولاده وأهله وساءت ظنونهم فيه ، ووصل مسعود إلى باب الرهومة ، وهو باب من أبواب القصر ، فعدل به الى محجّة العطب ، فلما رأى فهد ذلك أحس (٤٠ ظ) بالهلاك ، فصاح واستغاث وبكى ، ولاذ بالعفو ، وبكى الناس لما شاهدوه من حاله وعرفوه من الأمر الذي يراد به ، وأدخله مسعود إلى الحجرة فأقسم عليه فهد أن يراجع الحاكم في بابه وبذل له ألف دينار ، وتوفير مثلها ، فقال له مسعود : لا سبيل إلى المراجعة بعد ما أمرت به ، وضرب عنقه وأخذ رأسه وحمله إلى حضرة الحاكم ، فلما شاهده أمره أن يخرج رأس كل