وجهي ما من قوله بما كانوا يكذبون خطأ ، وهو أن تكون ما موصولة بمعنى الذي ، وذلك أن المعطوف على الخبر خبر ، فيكذبون قد حذف منه العائد على ما ، وقوله : وإذا قيل لهم إلى آخر الآية لا ضمير فيه يعود على ما ، فبطل أن يكون معطوفا عليه ، إذ يصير التقدير : ولهم عذاب أليم بالذي كانوا ، (إِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ) ، وهذا كلام غير منتظم لعدم العائد. وأما وجهها الآخر ، وهو أن تكون ما مصدرية ، فعلى مذهب الأخفش يكون هذا الإعراب أيضا خطأ ، إذ عنده أن ما المصدرية اسم يعود عليها من صلتها ضمير ، والجملة المعطوفة عارية منه. وأما على مذهب الجمهور ، فهذا الإعراب شائع ، ولم يذكر الزمخشري ، وأبو البقاء إعراب هذا سوى أن يكون معطوفا على يكذبون ، أو على يقول ، وزعما أن الأول وجه ، وقد ذكرنا ما فيه ، والذي نختاره الاحتمال الأول ، وهو أن تكون الجملة مستأنفة ، كما قررناه ، إذ هذه الجملة والجملتان بعدها هي من تفاصيل الكذب ونتائج التكذيب. ألا ترى قولهم : (إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ) وقولهم : (أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ) ، وقولهم عند لقاء المؤمنين (آمَنَّا) كذب محض؟ فناسب جعل ذلك جملا مستقلة ذكرت لإظهار كذبهم ونفاقهم ونسبة السفه للمؤمنين واستهزائهم ، فكثر بهذه الجمل واستقلالها ذمهم والرد عليهم ، وهذا أولى من جعلها سيقت صلة جزء كلام لأنها إذ ذاك لا تكون مقصودة لذاتها ، إنما جيء بها معرفة للموصول إن كان اسما ، ومتممة لمعناه إن كان حرفا. والجملة بعد إذا في موضع خفض بالإضافة ، والعامل فيها عند الجمهور الجواب ، فإذا في الآية منصوبة بقوله : (إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ). والذي نختاره أن الجملة بعدها تليها هي الناصبة لإذا لأنها شرطية ، وأن ما بعدها ليس في موضع خفض بالإضافة ، فحكمها حكم الظروف التي يجازى بها وإن قصرت عن عملها الجزم. على أن من النحويين من أجاز الجزم بها حملا على متى منصوبا بفعل الشرط ، فكذلك إذا منصوبة بفعل الشرط بعدها ، والذي يفسد مذهب الجمهور جواز : إذا قمت فعمرو قائم ، لأن ما بعد الفاء لا يعمل فيما قبلها ، وجواز وقوع إذا الفجائية جوابا لإذا الشرطية ، قال تعالى : (وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ) (١) إذا لهم مكر في آياتنا ، وما بعد إذا الفجائية لا يعمل فيما قبلها ، وحذف فاعل القول هنا للإبهام ، فيحتمل أن يكون الله تعالى ، أو الرسول صلىاللهعليهوسلم ، أو بعض المؤمنين ، وكل من هذا قد قيل ، والمفعول الذي لم يسم فاعله ، فظاهر الكلام أنها الجملة المصدرة بحرف النهي وهي : (لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ) ، إلا أن
__________________
(١) سورة يونس : ١٠ / ٢١.