لا تلمني إنها من نسوة |
|
رقد الصيف مقاليت نزر |
كبنات البحر يمأدن كما |
|
أنبت الصيف عساليج الخضر |
وقد أبدلوا الباء ميما فقالوا : بنات المحر ، كما قالوا : رأيته من كثب ومن كثم. وظلمات : مرتفع بالجار والمجرور على الفاعلية ، لأنه قد اعتمد إذا وقع صفة ، ويجوز أن تكون فيه في موضع الحال من النكرة المخصصة بقوله : (مِنَ السَّماءِ) ، إما تخصيص العمل ، وإما تخصيص الصفة على ما قدمناه من الوجهين في إعراب من السماء ، وأجازوا أن يكون ظلمات مرفوعا بالابتداء ، وفيه في موضع الخبر. والجملة في موضع الصفة ، ولا حاجة إلى هذا لأنه إذا دار الأمر بين أن تكون الصفة من قبيل المفرد ، وبين أن تكون من قبيل الجمل ، كأن الأولى جعلها من قبيل المفرد وجمع الظلمات ، لأنه حصلت أنواع من الظلمة. فإن كان الصيب هو المطر ، فظلماته ظلمة تكاثفه وانتساجه وتتابع قطره ، وظلمة : ظلال غمامه مع ظلمة الليل. وإن كان الصيب هو السحاب ، فظلمة سجمته وظلمة تطبيقه مع ظلمة الليل. والضمير في فيه عائد على الصيب ، فإذا فسر بالمطر ، فكان ذلك السحاب ، لكنه لما كان الرعد والبرق ملتبسين بالمطر جعلا فيه على طريق التجوّز ، ولم يجمع الرعد والبرق ، وإن كان قد جمعت في لسان العرب ، لأن المراد بذلك المصدر كأنه قيل : وإرعاد وإبراق ، وإن أريد العينان فلأنهما لما كانا مصدرين في الأصل ، إذ يقال : رعدت السماء رعدا وبرقت برقا ، روعي حكم أصلهما وإن كان المعنى على الجمع ، كما قالوا : رجل خصم ، ونكرت ظلمات ورعد وبرق ، لأن المقصود ليس العموم ، إنما المقصود اشتمال الصيب على ظلمات ورعد وبرق.
والضمير في يجعلون عائد على المضاف المحذوف للعلم به ، لأنه إذا حذف ، فتارة يلتفت إليه حتى كأنه ملفوظ به فتعود الضمائر عليه كحاله مذكورا ، وتارة يطرح فيعود الضمير الذي قام مقامه. فمن الأول هذه الآية وقوله تعالى : (أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ) (١) ، التقدير ، أو كذي ظلمات ، ولذلك عاد الضمير المنصوب عليه في قوله : يغشاه. ومما اجتمع فيه الالتفات والاطراح قوله تعالى : (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ) (٢) المعنى من أهل قرية فقال : فجاءها ، فأطرح المحذوف وقال : أو هم ، فالتفت إلى المحذوف. والجملة من قوله : يجعلون لا موضع لها من
__________________
(١) سورة النور : ٢٤ / ٤٠.
(٢) سورة الأعراف : ٧ / ٤.