هاتين الجملتين اللتين هما : يجعلون أصابعهم ، و (يَكادُ الْبَرْقُ) (١) ، وهما من قصة واحدة. وقد تقدم لنا أن هذا التمثيل من التمثيلات المركبة ، وهو الذي تشبه فيه إحدى الجملتين بالأخرى في أمر من الأمور ، وإن لم يكن آحاد إحدى الجملتين شبيهة بآحاد الجملة الأخرى ، فيكون المقصود تشبيه حيرة المنافقين في الدين والدنيا بحيرة من انطفأت ناره بعد إيقادها ، وبحيرة من أخذته السماء في الليلة المظلمة مع رعد وبرق. وهذا الذي سبق أنه المختار. وقالوا أيضا : يكون من التشبيه المفرق ، وهو أن يكون المثل مركبا من أمور ، والممثل يكون مركبا أيضا ، وكل واحد من المثل مشبه لكل واحد من الممثل.
وقد تقدم قولان من جعل هذا المثل من التمثيل المفرق. والثالث : أن الصيب مثل للإسلام والظلمات ، مثل لما في قلوبهم من النفاق والرعد والبرق ، مثلان لما يخوفون به. والرابع : البرق مثل للإسلام والظلمات ، مثل للفتنة والبلاء. والخامس : الصيب : الغيث الذي فيه الحياة مثل للإسلام والظلمات ، مثل لإسلام المنافقين وما فيه من إبطان الكفر ، والرعد مثل لما في الإسلام من حقن الدماء والاختلاط بالمسلمين في المناكحة والموازنة ، والبرق وما فيه من الصواعق مثل لما في الإسلام من الزجر بالعقاب في العاجل والآجل ، ويروى معنى هذا عن الحسن. والسادس : أن الصيب والظلمات والرعد والبرق والصواعق كانت حقيقة أصابت بعض اليهود ، فضرب الله مثلا بقصتهم لبقيتهم ، وروي في ذلك حديث عن ابن مسعود ، وابن عباس. السابع : أنه مثل ضربه الله للخير والشر الذي أصاب المنافقين ، فكأنهم كانوا إذا كثرت أموالهم وولدهم الغلمان ، أو أصابوا غنيمة أو فتحا قالوا : دين محمد صدق ، فاستقاموا عليه ، وإذا هلكت أموالهم وأولادهم وأصابهم البلاء قالوا : هذا من أجل دين محمد ، فارتدوا كفارا. الثامن : أنه مثل الدنيا وما فيها من الشدة والرخاء والنعمة والبلاء بالصيب الذي يجمع نفعا بإحيائه الأرض وإنباته النبات وإحياء كل دابة والانتفاع به للتطهير وغيره من المنافع ، وضرا بما يحصل به من الإغراق والإشراق ، وما تقدمه من الظلمات والصواعق بالإرعاد والإبراق ، وأن المنافق يدفع آجلا بطلب عاجل النفع ، فيبيع آخرته وما أعد الله له فيها من النعيم بالدنيا التي صفوها كدر ومآله بعد إلى سقر. التاسع : أنه مثل للقيامة لما يخافونه من وعيد الآخرة لشكهم في دينهم وما فيه من البرق ، بما في إظهار الإسلام من حقن دمائهم ، ومثل ما فيه من الصواعق بما في الإسلام من الزواجر بالعقاب في العاجل والآجل. العاشر : ضرب الصيب مثل لما أظهر المنافقون
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٢٠.