وقد أجمع المسلمون على أن لا خالق إلا الله تعالى ، وإذا كان بمعنى التقدير ، فمقتضى اللغة أنه قد يوصف به غير الله تعالى ، كبيت زهير. وقال تعالى : (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) (١) ، (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ) (٢). وقال أبو عبد الله البصري ، أستاذ القاضي عبد الجبار : إطلاق اسم الخالق على الله تعالى محال ، لأن التقدير والتسوية عبارة عن الفكر والظن والحسبان ، وذلك في حق الله تعالى محال. وكأنّ أبا عبد الله لم يعلم أن الخلق في اللغة يطلق على الإنشاء ، وكلام البصري مصادم لقوله تعالى : (هُوَ اللهُ الْخالِقُ الْبارِئُ) (٣) ، إذ زعم أنه لا يطلق اسم الخالق على الله ، وفي اللغة والقرآن والإجماع ما يرد عليه. وعطف قوله : (وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) على الضمير المنصوب في خلقكم ، والمعطوف متقدّم في الزمان على المعطوف عليه وبدأ به ، وإن كان متأخرا في الزمان ، لأن علم الإنسان بأحوال نفسه أظهر من علمه بأحوال غيره ، إذ أقرب الأشياء إليه نفسه ، ولأنهم المواجهون بالأمر بالعبادة ، فتنبيههم أولا على أحوال أنفسهم آكد وأهم ، وبدأ أولا بصفة الخلق ، إذ كانت العرب مقرة بأن الله خالقها ، وهم المخاطبون ، والناس تبع لهم ، إذ نزل القرآن بلسانهم. وقرأ ابن السميفع : وخلق من قبلكم ، جعله من عطف الجمل. وقرأ زيد بن علي : (وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) بفتح ميم من ، قال الزمخشري : وهي قراءة مشكلة ووجهها على أشكالها أن يقال : أقحم الموصول الثاني بين الأول وصلته تأكيدا ، كما أقحم جرير في قوله :
يا تيم تيم عدي لا أبا لكم
تيما الثاني بين الأول وما أضيف إليه ، وكإقحامهم لام الإضافة بين المضاف والمضاف إليه في لا أبا لك ، انتهى كلامه. وهذا التخريج الذي خرج الزمخشري قراءة زيد عليه هو مذهب لبعض النحويين زعم أنك إذا أتيت بعد الموصول بموصول آخر في معناه مؤكد له ، لم يحتج الموصول الثاني إلى صلة ، نحو قوله :
من النفر اللائي الذين أذاهم |
|
يهاب اللئام حلقة الباب قعقعوا |
__________________
(١) سورة المؤمنون : ٢٣ / ١٤.
(٢) سورة المائدة : ٥ / ١١٠.
(٣) سورة الحشر : ٥٩ / ٢٤.