الاحتراز بل يوجب الاحتراز ، فكأنه قال : اعبدوه فتحترزوا عن عقابه ، فإن أطلق على نفس الفعل اتقاء فهو مجاز ، ومفعول يتقون محذوف. قال ابن عباس : الشرك ، وقال الضحاك : النار ، أو معناه تطيعون ، قاله مجاهد : ومن قال المعنى الذي خلقكم راجين للتقوى. قال بعض المفسرين : فيه بعد من حيث أنه لو خلقهم راجين للتقوى كانوا مطيعين مجبولين عليها ، والواقع خلاف ذلك ، انتهى كلامه. ويعني أنهم لو خلقوا وهم راجون للتقوى لكان ذلك مركوزا في جبلتهم ، فكان لا يقع منهم غير التقوى وهم ليسوا كذلك ، بل المعاصي هي الواقعة كثيرا ، وهذا ليس كما ذكر ، وقد يخلق الإنسان راجيا لشيء فلا يقع ما يرجوه ، لأن الإنسان في الحقيقة ليس له الخيار فيما يفعله أو يتركه ، بل نجد الإنسان يعتقد رجحان الترك في شيء ثم هو يفعله ، ولقد صدق الشاعر في قوله :
علمي بقبح المعاصي حين أركبها |
|
يقضي بأني محمول على القدر |
فلا يلزم من رجاء الإنسان لشيء وقوع ما يرتجي ، وإنما امتنع ذلك التقدير ، أعني تقدير الحال ، من حيث أن لعل للا يشاء ، فهي وما دخلت عليه ليست جملة خبرية فيصح وقوعها حالا.
قال الطبري : هذه الآية ، يريد : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا) من أدلّ دليل على فساد قول من زعم أن تكليف ما لا يطاق غير جائز ، وذلك أن الله عزوجل أمر بعبادته من آمن به ومن كفر بعد إخباره عنهم أنهم لا يؤمنون وأنهم عن ضلالتهم لا يرجعون. والموصول الثاني في قوله : (الَّذِي جَعَلَ) يجوز رفعه ونصبه ، فرفعه على أنه خبر مبتدأ محذوف ، فهو رفع على القطع ، إذ هو صفة مدح ، قالوا : أو على أنه مبتدأ خبره قوله : (فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً) ، وهو ضعيف لوجهين : أحدهما : أن صلة الذي وما عطف عليها قد مضيا ، فلا يناسب دخول الفاء في الخبر. الثاني : أن ذلك لا يتمشى إلا على مذهب أبي الحسن ، لأن من الروابط عنده تكرار المبتدأ بمعناه ، فالذي مبتدأ ، و (فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً) جملة خبرية ، والرابط لفظ الله من لله كأنه قيل : (فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً) ، وهذا من تكرار المبتدأ بمعناه. ولا نعرف إجازة ذلك إلا عن أبي الحسن. أجاز أن تقول : زيد قام أبو عمرو ، إذا كان أبو عمرو كنية لزيد ، ونص سيبويه على منع ذلك. وأما نصبه فيجوز أن يكون على القطع ، إذ هو وصف مدح ، كما ذكرنا ، ويجوز أن يكون وصفا لما كان له وصفا الذي خلقكم ، وهو ربكم ، قالوا : ويجوز نصبه على أن يكون نعتا لقوله : (الَّذِي خَلَقَكُمْ) ، فيكون نعتا للنعت ونعت النعت مما يحيل تكرار النعوت. والذي نختاره أن النعت لا ينعت ، بل النعوت كلها