فاتقوا النار : جواب للشرط ، وكنى به عن ترك العناد ، لأن من عائد بعد وضوح الحق له استوجب العقاب بالنار. واتقاء النار من نتائج ترك العناد ومن لوازمه. وعرف النار هنا لأنه قد تقدم ذكرها نكرة في سورة التحريم ، والتي في سورة التحريم نزلت بمكة ، وهذه بالمدينة. وإذا كررت النكرة سابقة ذكرت ثانية بالألف واللام ، وصارت معرفة لتقدمها في الذكر ووصفت بالتي وصلتها. والصلة معلومة للسامع لتقدم ذكر قوله : (ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ) (١) ، أو لسماع ذلك من أهل الكتاب قبل نزول الآية ، والجمهور على فتح الواو. وقرأ الحسن باختلاف ، ومجاهد وطلحة وأبو حياة وعيسى بن عمر الهمداني بضم الواو. وقرأ عبيد بن عمير وقيدها على وزن فعيل. فعلى قراءة الجمهور وقراءة ابن عمير هو الحطب ، وعلى قراءة الضم هو المصدر على حذف مضاف ، أي ذو وقودها لأن الناس والحجارة ليسا هما الوقود ، أو على أن جعلوا نفس الوقود مبالغة ، كما يقول : فلان فخر بلده ، وهذه النار ممتازة عن غيرها بأنها تتقد بالناس والحجارة ، وهما نفس ما يحرق ، وظاهر هذا الوصف أنها نار واحدة ولا يدل على أنها نيران شتى. قوله تعالى : (قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ) (٢) ، ولا قوله تعالى : (فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى) (٣) ، لأن الوصف قد يكون بالواقع لا للامتياز عن مشترك فيه ، والناس يراد به الخصوص ممن شاء الله دخولها ، وإن كان لفظه عاما ، والحجارة الأصنام ، وكانا وقودا للنار مقرونين معا ، كما كانا في الدنيا حيث نحتوها وعبدوها آلهة من دون الله. ويوضحه قوله تعالى : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ) (٤) ، أو حجارة الكبريت ، روي ذلك عن ابن مسعود ، وابن عباس ، وابن جريج. واختصت بذلك لما فيه من سرعة الالتهاب ، ونتن الرائحة ، وعظم الدخان ، وشدة الالتصاق بالبدن ، وقوة حرها إذا حميت. وقيل : هو الكبريت الأسود ، أو حجارة مخصوصة أعدت لجهنم ، إذا اتقدت لا ينقطع وقودها. وقيل : إن أهل النار إذا عيل صبرهم بكوا وشكوا ، فينشىء الله سحابة سوداء مظلمة ، فيرجون الفرج ، ويرفعون رؤوسهم إليها ، فتمطر عليهم حجارة عظاما كحجارة الرحى ، فتزداد النار إيقادا والتهابا أو الحجارة ما اكتنزوه من الذهب والفضة تقذف معهم في النار ويكوون بها. وعلى هذه الأقوال لا تكون الألف واللام في الحجارة للعموم بل لتعريف الجنس. وذهب بعض أهل العلم إلى أنها تجوز أن تكون لاستغراق الجنس ، ويكون المعنى أن النار التي
__________________
(١) سورة التحريم : ٦٦ / ٦.
(٢) سورة التحريم : ٦٦ / ٦.
(٣) سورة الليل : ٩٢ / ١٤.
(٤) سورة الأنبياء : ٢١ / ٩٨.