قالوا : ولا يجوز أن يستدل بقوله تعالى : (رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ) (١) ، لأنه من كلام الكفار ، ولأن كثيرا من الناس أثبتوا حياة الذر في صلب آدم. والجواب : أنه لا يلزم من عدم ذكر هذه الحياة للمسألة عدمها قبل ، وأيضا ، فيمكن أن يكون قوله : ثم يحييكم هو للمسألة ، ولذلك قال : ثم إليه ترجعون ، فعطف بثم التي تقتضي التراخي في الزمان. والرجوع إلى الله تعالى حاصل عقب الحياة التي للبعث ، فدل ذلك على أن تلك الحياة المذكورة هي للمسألة.
قال الحسن : ذكر الموت مرتين هذا لأكثر الناس ، وأما بعضهم فقد أماتهم ثلاث مرات ، (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ) (٢) ، (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ) (٣) ، (فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ) (٤) ، الآيات. وفي قوله تعالى : (فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) دليل على اختصاصه تعالى بذلك ، ودليل على النشر والحشر. والظاهر في قوله تعالى : (ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) أن الهاء عائدة على الله سبحانه وتعالى ، لأن الضمائر السابقة عائدة عليه تعالى ، ويكون ذلك على حذف مضاف ، أي إلى جزائه من ثواب أو عقاب. وقيل : عائدة على الجزاء على الأعمال. وقيل : عائدة على الموضع الذي يتولى الله الحكم بينكم فيه. وقيل : عائدة على الأحياء المدلول عليه بقوله : فأحياكم. وشرح هذا أنكم ترجعون بعد الحياة الثانية إلى الحال التي كنتم عليها في ابتداء الحياة الأولى ، من كونكم لا تملكون لأنفسكم شيئا. واستدلت المجسمة بقوله : (ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) ، على أنه تعالى في مكان ولا حجة لهم في ذلك.
وقرأ الجمهور : ترجعون مبنيا للمفعول من رجع المتعدي.
وقرأ مجاهد ، ويحيى بن يعمر ، وابن أبي إسحاق ، وابن محيصن ، والفياض بن غزوان ، وسلام ، ويعقوب : مبنيا للفاعل ، حيث وقع في القرآن من رجع اللازم ، لأن رجع يكون لازما ومتعديا. وقراءة الجمهور أفصح ، لأن الإسناد في الأفعال السابقة هو إلى الله تعالى ، (فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) ، فكان سياق هذا الإسناد أن يكون الفعل في الرجوع مسندا إليه ، لكنه كان يفوت تناسب الفواصل والمقاطع ، إذ كان يكون الترتيب : (ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ) (٥) ، فحذف الفاعل للعلم به وبنى الفعل للمفعول حتى لا يفوت
__________________
(١) سورة غافر : ٤٠ / ١١.
(٢) سورة البقرة : ٢ / ٢٥٩.
(٣) سورة البقرة : ٢ / ٢٤٣.
(٤) سورة البقرة : ٢ / ٢٦٠.
(٥) سورة الأنعام : ٦ / ٦٠.