لما كان بين خلق الأرض والسماء أعمال من جعل الرواسي والبركة فيها وتقدير الأقوات عطف بثم ، إذ بين خلق الأرض والاستواء تراخ يدل على ذلك : (قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ) (١) ، الآية. استوى أهل الحجاز على الفتح ، ونجد على الإمالة. وقرىء في السبعة بهما ، وفي الاستواء هنا سبعة أقوال : أحدها : أقبل وعمد إلى خلقها وقصد من غير أن يريد فيما بين ذلك خلق شيء آخر ، وهو استعارة من قولهم : استوى إليه كالسهم المرسل ، إذا قصده قصدا مستويا من غير أن يلوي على شيء ، قال معناه الفراء ، واختاره الزمخشري ، وبين ما الذي استعير منه. الثاني : علا وارتفع من غير تكييف ولا تحديد ، قاله الربيع بن أنس ، والتقدير : علا أمره وسلطانه ، واختاره الطبري. الثالث : أن يكون إلى بمعنى على ، أي استوى على السماء ، أي تفرد بملكها ولم يجعلها كالأرض ملكا لخلقه ، ومن هذا المعنى قول الشاعر :
فلما علونا واستوينا عليهم |
|
تركناهم صرعى لنسر وكاسر |
ومعنى هذا الاستيلاء كما قال الشاعر :
قد استوى بشر على العراق |
|
من غير سيف ودم مهراق |
الرابع : أن المعنى تحول أمره إلى السماء واستقر فيها ، والاستواء هو الاستقرار ، فيكون ذلك على حذف مضاف ، أي ثم استوى أمره إلى السماء ، أي استقر لأن أوامره وقضاياه تنزل إلى الأرض من السماء ، قاله الحسن البصري. والخامس : أن المعنى استوى بخلقه واختراعه إلى السماء ، قاله ابن كيسان ، ويؤول المعنى إلى القول الأول. السادس : أن المعنى كمل صنعه فيها ، كما تقول : استوى الأمر ، وهذا ينبو اللفظ عن الدلالة عليه. السابع : أن الضمير في استوى عائد على الدخان ، وهذا بعيد جدّا يبعده قوله تعالى : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ) (٢) ، واختلاف الضمائر وعوده على غير مذكور ، ولا يفسره سياق الكلام.
وهذه التأويلات كلها فرار عما تقرر في العقول من أن الله تعالى يستحيل أن يتصف بالانتقال المعهود في غيره تعالى ، وأن يحل فيه حادث أو يحل هو في حادث ، وسيأتي الكلام على الاستواء بالنسبة إلى العرش ، إن شاء الله تعالى. ومعنى التسوية : تعديل خلقهن وتقويمه وإحلاؤه من العوج والفطور ، أو إتمام خلقهن وتكميله من قولهم : درهم
__________________
(١) سورة فصلت : ٤١ / ٩.
(٢) سورة فصلت : ٤١ / ١١.