الظرف لا بد أن يقع فيه ، أما أن يسبقه أو يتأخر عنه ، فلا لأنه لا يكون له ظرفا. وذهب بعضهم إلى أن إذ منصوب يقال بعدها ، وليس بشيء ، لأن إذ مضافة إلى الجملة بعدها والمضاف إليه لا يعمل في المضاف. وذهب بعضهم إلى أن نصبها بأحياكم ، تقديره : (وَهُوَ الَّذِي أَحْياكُمْ) (١) ، (إِذْ قالَ رَبُّكَ) ، وهذا ليس بشيء لأنه حذف بغير دليل ، وفيه أن الإحياء ليس واقعا في وقت قول الله للملائكة ، وحذف الموصول وصلته ، وإبقاء معمول الصلة. وذهب بعضهم إلى أنه معمول لخلقكم من قوله تعالى : (اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ) (٢) (إِذْ قالَ رَبُّكَ) ، فتكون الواو زائدة ، ويكون قد فصل بين العامل والمعمول بهذه الجمل التي كادت أن تكون سورا من القرآن ، لاستبداد كل آية منها بما سيقت له ، وعدم تعلقها بما قبلها التعلق الإعرابي.
فهذه ثمانية أقوال ينبغي أن ينزه كتاب الله عنها. والذي تقتضيه العربية نصبه بقوله : (قالُوا أَتَجْعَلُ) ، أي وقت قول الله للملائكة : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ) ، (قالُوا أَتَجْعَلُ) ، كما تقول في الكلام : إذ جئتني أكرمتك ، أي وقت مجيئك أكرمتك ، وإذ قلت لي كذا قلت لك كذا. فانظر إلى حسن هذا الوجه السهل الواضح ، وكيف لم يوفق أكثر الناس إلى القول به ، وارتبكوا في دهياء وخبطوا خبط عشواء. وإسناد القول إلى الرب في غاية من المناسبة والبيان ، لأنه لما ذكر أنه خلق لهم ما في الأرض ، كان في ذلك صلاح لأحوالهم ومعايشهم ، فناسب ذكر الرب وإضافته إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم تنبيه على شرفه واختصاصه بخطابه ، وهز لاستماع ما يذكر بعد ذلك من غريب افتتاح هذا الجنس الإنساني ، وابتداء أمره ومآله. وهذا تنويع في الخطاب ، وخروج من الخطاب العام إلى الخطاب الخاص ، وفي ذلك أيضا إشارة لطيفة إلى أن المقبل عليه بالخطاب له الحظ الأعظم والقسم الأوفر من الجملة المخبر بها ، إذ هو في الحقيقة أعظم خلفائه ، ألا ترى إلى عموم رسالته ودعائه وجعل أفضل أنبيائه أمّ بهم ليلة إسرائه ، وجعل آدم فمن دونه يوم القيامة تحت لوائه ، فهو المقدم في أرضه وسمائه وفي داري تكليفه وجزائه. واللام في للملائكة : للتبليغ ، وهو أحد المعاني التي جاءت لها اللام ، فظاهر لفظ الملائكة العموم. وقال بذلك قوم ، وقال قوم هو عام المراد به الخصوص ، وهم سكان الأرض من الملائكة بعد الجان. وقيل : هم المحاربون مع إبليس. ومعمول القول إني جاعل ، وكان ذلك مصدرا بأن ، لأن المقصود تأكيد الجملة المخبر بها ، وإن هذا واقع لا محالة وإن تكسر بعد القول ، ولفتحها بعده عند
__________________
(١) سورة الحج : ٢٢ / ٦٦.
(٢) سورة البقرة : ٢ / ٢١.