يُجادِلُونَ) (١) ، في قراءة من نصب ، وكذلك : (وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) (٢). فقياس الأول الرفع ، وقياس الثاني الجزم ، فصرفت الواو الفعل إلى النصب ، فسميت واو الصرف ، وهذا عند البصريين منصوب بإضمار أن بعد الواو. والعجب من ابن عطية أنه ذكر هذا الوجه أولا وثنى بقول المهدوي ، ثم قال : والأول أحسن. وكيف يكون أحسن وهو شيء لا يقول به البصريون وفساده مذكور في علم النحو؟ ولما كانت الصلة يفسد ، وهو فعل في سياق الإثبات ، فلا يدل على التعميم في الفساد. نصوا على أعظم الفساد ، وهو سفك الدماء ، لأنه به تلاشي الهياكل الجسمانية التي خلقها الله ، ولو لم ينصوا عليه لجاز أن لا يراد من قولهم : يفسد ، وكرر فيها لأن في ذلك تنبيها على أن ما كان محلا للعبادة وطاعة الله كيف يصير محلا للفساد؟ كما مر مثله في قوله : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ) (٣) ولم يحتج إلى تكرير فيها بعد قوله : ويسفك ، اكتفاء بما سبق وتنكبا أن يكرروا فيها ثلاث مرات. ألا ترى أنهم نقدوا على أبي الطيب قوله :
ونهب نفوس أهل النهب أولى |
|
بأهل النهب من نهب القماش |
(وَنَحْنُ نُسَبِّحُ) : جملة حالية ، والتسبيح التنزيه ، قاله قتادة : أو رفع الصوت بذكر الله تعالى ، قاله المفضل : والخضوع والتذلل ، قاله ابن الأنباري ، أو الصلاة ، أي نصلي لك ، من المسبحين : أي من المصلين ، قاله ابن مسعود وابن عباس ، أو التعظيم ، أي ونحن نعظمك ، قاله مجاهد ، أو تسبيح خاص ، وهو : سبحان ذي الملك والملكوت ، سبحان ذي العظمة والجبروت ، سبحان الحيّ الذي لا يموت. ويعرف هذا بتسبيح الملائكة ، أو بقول : سبحان الله وبحمده.
وفي حديث عن عبادة بن الصامت ، عن أبي ذر ، أن النبي صلىاللهعليهوسلم سئل : أي الكلام أفضل قال : «ما اصطفى الله لملائكته أو لعباده سبحان الله وبحمده». (بِحَمْدِكَ) : في موضع الحال ، والباء فيه للحال ، أي نسبح ملتبسين بحمدك ، كما تقول : جاء زيد بثيابه ، وهي حال متداخلة لأنها حال في حال. وقيل : الباء للسبب ، أي بسبب حمدك ، والحمد هو الثناء ، والثناء ناشىء عن التوفيق للخير والإنعام على المثنى ، فنزل الناشئ عن السبب منزلة السبب فقال : ونحن نسبح بحمدك ، أي بتوفيقك وإنعامك ، والحمد مصدر مضاف
__________________
(١) سورة الشورى : ٤٢ / ٣٥.
(٢) سورة آل عمران : ٣ / ١٤٢.
(٣) سورة البقرة : ٢ / ١١.