الكوفيين بالخلاف. وتحرير القول في هذه المذاهب يذكر في كتب النحو. وأجازوا أن يكون فتكونا مجزوما عطفا على تقربا ، قاله الزجاج وغيره ، نحو قوله :
فقلت له صوب ولا تجهدنه |
|
فيذرك من أعلى القطاة فتزلق |
والأول أظهر لظهور السببية ، والعطف لا يدل عليها ، (مِنَ الظَّالِمِينَ) : قيل لأنفسكما بإخراجكما من دار النعيم إلى دار الشقاء ، أو بالأكل من الشجرة التي نهيتما عنها ، أو بالفضيحة بين الملأ الأعلى ، أو بمتابعة إبليس ، أو بفعل الكبيرة ، قاله الحشوية ، أو بفعل الصغيرة ، قاله المعتزلة ، أو بإلزامها ما يشق عليها من التوبة والتلافي ، قاله أبو علي ، أو بحط بعض الثواب الحاصل ، قاله أبو هاشم ، أو بترك الأولى ، قال قوم : هما أول من ظلم نفسه من الآدميين ، وقال قوم : كان قبلهم ظالمون شبهوا بهم ونسبوا إليهم. وفي قوله : (فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ) دلالة على أن النهي كان على جهة الوجوب لا على جهة الندب ، لأن تاركه لا يسمى ظالما. قال بعض أهل الإشارات : الذي يليق بالخلق عدم السكون إلى الخلق ، وما زال آدم وحده بكل خير وبكل عافية ، فلما جاءه الشكل والزوج ، ظهر إتيان الفتنة وافتتاح باب المحنة ، وحين ساكن حواء أطاعها فيما أشارت عليه من الأكل ، فوقع فيما وقع. ولقد قيل :
داء قديم في بني آدم |
|
صبوة إنسان بإنسان |
وقال القشيري : كل ما منع منه توفرت دواعي ابن آدم للاقتراب منه. هذا آدم عليهالسلام أبيح له الجنة بجملتها ، ونهي عن شجرة واحدة ، فليس في المنقول أنه مد يده إلى شيء من جملة ما أبيح له ، وكأنه عيل صبره حتى ذاق ما نهي عنه ، هكذا صفة الخلق. وقال : نبه على عاقبة دخول آدم الجنة من ارتكابه ما يوجب خروجه منها قوله تعالى : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) فإذا أخبر تعالى بجعله خليفة في الأرض ، فكيف يمكن بقاؤه في الجنة؟ كان آدم لا أحد يوفيه في الرتبة يتوالى عليه النداء : يا آدم! ويا آدم! فأمسى وقد نزع عنه لباسه وسلب استئناسه ، والقدرة لا تكابر ، وحكم الله لا يعارض ، وقال الشاعر :
لله درهم من فتية بكروا |
|
مثل الملوك وراحوا كالمساكين |
فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (٣٦) فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ