يأتيك فاضرب ، بمنزلة زيدا فاضرب ، إلا أن هنا معنى الشرط لأجل النكرة الموصوفة بالفعل ، فانتصب كل وهو أحسن من : زيدا فاضرب ، انتهى. ولا يظهر لي وجه إلا حسنية التي أشار إليها ابن خروف ، والذي يدل على أن هذا التركيب ، أعني : زيدا فاضرب ، تركيب عربي صحيح ، قوله تعالى : (بَلِ اللهَ فَاعْبُدْ) (١) ، وقال الشاعر :
ولا تعبد الشيطان والله فاعبدا
قال بعض أصحابنا : الذي ظهر فيها بعد البحث أن الأصل في : زيدا فاضرب ، تنبه : فاضرب زيدا ، ثم حذف تنبه فصار : فاضرب زيدا. فلما وقعت الفاء صدرا قدّموا الاسم إصلاحا للفظ ، وإنما دخلت الفاء هنا لتربط هاتين الجملتين ، انتهى ما لخص من كلامه.
وإذا تقرر هذا فتحتمل الآية وجهين : أحدهما : أن يكون التقدير وإياي ارهبوا ، تنبهوا فارهبون ، فتكون الفاء دخلت في جواب الأمر ، وليست مؤخرة من تقديم. والوجه الثاني : أن يكون التقدير وتنبهوا فارهبون ، ثم قدّم المفعول فانفصل ، وأخرت الفاء حين قدم المفعول وفعل الأمر الذي هو تنبهوا محذوف ، فالتقى بعد حذفه حرفان : الواو العاطفة والفاء ، التي هي جواب أمر ، فتصدّرت الفاء ، فقدم المفعول وأخرت الفاء إصلاحا للفظ ، ثم أعيد المفعول على سبيل التأكيد ولتكميل الفاصلة ، وعلى هذا التقدير الأخير لا يكون إياي معمولا لفعل محذوف ، بل معمولا لهذا الفعل الملفوظ به ، ولا يبعد تأكيد الضمير المنفصل بالضمير المتصل ، كما أكد المتصل بالمنفصل في نحو : ضربتك إياك ، والمعنى : ارهبون أن أنزل بكم ما أنزلت بمن كان قبلكم من آبائكم من النقمات التي قد عرفتم من المسخ وغيره ، وهذا قول ابن عباس. وقيل معنى فارهبون : أن لا تنقضوا عهدي ، وفي الأمر بالرهبة وعيد بالغ ، وليس قول من زعم أن هذا الأمر معناه التهديد والتخويف والتهويل ، مثل قوله تعالى : (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ) (٢) ، تشديد لأن هذا في الحقيقة مطلوب ، واعملوا ما شئتم غير مطلوب فافترقا. وقيل : الخوف خوفان ، خوف العقاب ، وهو نصيب أهل الظاهر ، ويزول ، وخوف جلال ، وهو نصيب أهل القلب ، ولا يزول. وقال السلمي : الرهبة : خشية القلب من رديء خواطره. وقال سهل : (وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) ، موضع اليقين بمعرفته ، (وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ) ، موضع العلم السابق وموضع المكر والاستدراج. وقال القشيري : أفردوني بالخشية لانفرادي بالقدرة على الإيجاد.
__________________
(١) سورة الزمر : ٣٩ / ٦٦.
(٢) سورة فصلت : ٤١ / ٤٠.