(وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ) : ظاهره أنه أمر لبني إسرائيل ، لأن المأمورين قبل هم ، وهذا معطوف على ما قبله ، فظاهره اتحاد المأمور. وقيل : أنزلت في كعب بن الأشرف وأصحابه ، علماء اليهود ورؤسائهم ، والظاهر الأول ، ويندرج فيه كعب ومن معه. وما في قوله : (بِما أَنْزَلْتُ) موصولة ، أي بالذي أنزلت ، والعائد محذوف تقديره : أنزلته ، وشروط جواز الحذف فيه موجودة ، والذي أنزل تعالى هو القرآن ، والذي معهم هو التوراة والإنجيل. وقال قتادة : المراد (بِما أَنْزَلْتُ) : من كتاب ورسول تجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل ، وأبعد من جعل ما مصدرية ، وأن التقدير : وآمنوا بإنزالي لما معكم من التوراة ، فتكون اللام في لما من تمام المصدر لا من تمام. (مُصَدِّقاً). وعلى القول الأول يكون (لِما مَعَكُمْ) من تمام (مُصَدِّقاً) ، واللام على كلا التقديرين في لما مقوية للتعدية ، كهي في قوله تعالى : (فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) (١). وإعراب مصدقا على قول من جعل ما مصدرية حال من ما في قوله : (لِما مَعَكُمْ). ولا نقول : يبعد ذلك لدخول حرف الجر على ذي الحال ، لأن حرف الجر كما ذكرناه هو مقوّ للتعدية ، فهو كالحرف الزائد ، وصار نظير : زيد ضارب ، مجردة لهند ، التقدير : ضارب هندا مجردة ، ثم تقدمت هذه الحال ، وهذا جائز عندنا ، ويبعد أن يكون حالا من المصدر المقدر لوجهين : أحدهما : الفصل بين المصدر ومعموله الحال المصدر. والوجه الثاني : أنه يبعد وصف الإنزال بالتصديق إلا أن يتجوّز به ، ويراد به المنزل ، وعلى هذا التقدير لا يكون لما معكم من تمامه ، لأنه إذا أريد به المنزل لا يكون متعديا للمفعول. والظاهر أن مصدقا حال من الضمير العائد على الموصول المحذوف ، وهي حال مؤكدة ، والعامل فيها أنزلت. وقيل : حال من ما في قوله : بما أنزلت ، وهي حال مؤكدة أيضا.
(وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ) : أفعل التفضيل إذا أضيف إلى نكرة غير صفة ، فإنه يبقى مفردا مذكرا ، والنكرة تطابق ما قبلها ، فإن كان مفردا كان مفردا ، وإن كان تثنية كان تثنية ، وإن كان جمعا كان جمعا ، فتقول : زيد أفضل رجل ، وهند أفضل امرأة ، والزيدان أفضل رجلين ، والزيدون أفضل رجال. ولا تخلو تلك النكرة المضاف إليها أفعل التفضيل من أن تكون صفة أو غير صفة ، فإن كانت غير صفة فالمطابقة كما ذكرنا. وأجاز أبو العباس : إخوتك أفضل رجل ، بالإفراد ، ومنع ذلك الجمهور. وإن كانت صفة ، وقد تقدم أفعل التفضيل جمع جازت المطابقة وجاز الإفراد ، قال الشاعر : أنشده الفراء :
__________________
(١) سورة هود : ١١ / ١٠٧.