المفسرون في فهم هذا على ستة أقوال : الأول : أنه لفظ عام لمعنى خاص ، والمراد : الذين قالوا من بني إسرائيل نحن أبناء الله ، وأبناء أنبيائه ، وأنهم يشفعون لنا عند الله ، فرد عليهم ذلك ، وأويسوا منه لكفرهم ، وعلى هذا تكون النفس الأولى مؤمنة ، والثانية كافرة ، والكافر لا تنفعه شفاعة لقوله تعالى : (فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ) (١). الثاني : معناه لا يجدون شفيعا تقبل شفاعته ، لعجز المشفوع فيه عنه ، وهو قول الحسن. الثالث : معناه لا يجيب الشافع المشفوع فيه إلى الشفاعة ، وإن كان لو شفع لشفع. الرابع : معناه حيث لم يأذن الله في الشفاعة للكفار ، ولا بد من إذن من الله بتقدم الشافع بالشفاعة لقوله : (وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ) (٢) ، (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى) (٣). الخامس : معناه ليس لها شفاعة ، فيكون لها قبول ، وقد تقدم هذا القول. السادس : أنه نفي عام ، أي لا يقبل في غيرها ، لا مؤمنة ولا كافرة ، في مؤمنة ولا كافرة ، قاله الزمخشري.
وأجمع أهل السنة أن شفاعة الأنبياء والصالحين تقبل في العصاة من المؤمنين ، خلافا للمعتزلة ، قالوا : الكبيرة تخلد صاحبها في النار ، وأنكروا الشفاعة ، وهم على ضربين : طائفة أنكرت الشفاعة إنكارا كليا وقالوا : لا تقبل شفاعة أحد في أحد ، واستدلوا بظواهر آيات ، وخص تلك الظواهر أصحابنا بالكفار لثبوت الأحاديث الصحيحة في الشفاعة. وطائفة أنكرت الشفاعة في أهل الكبائر ، قالوا : وإنما تقبل في الصغائر. وقال في المنتخب : أجمعت الأمة على أن لمحمد صلىاللهعليهوسلم شفاعة في الآخرة ، واختلفوا لمن تكون. فذهبت المعتزلة إلى أنها للمستحقين الثواب ، وتأثيرها في أن تحصل زيادة من المنافع على قدر ما استحقوه. وقال أصحابنا : تأثيرها في إسقاط العذاب عن المستحقين ، إما بأن لا يدخلوا النار ، وإما في أن يخرجوا منها بعد دخولها ويدخلون الجنة ، واتفقوا على أنها ليست للكفار ، ثم ذكر نحوا من ست أوراق في الاستدلال للطائفتين ، ورد بعضهم على بعض ، يوقف عليها في ذلك الكتاب.
(وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ) العدل : الفدية ، قاله ابن عباس وأبو العالية ، وسميت عدلا لأن المفدى يعدل بها : أي يساويها ، أو البدل : أي رجل مكان رجل. وروي عن ابن عباس : أو حسنة مع الشرك ثلاثة أقوال. (وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) : أتي بالضمير مجموعا على معنى
__________________
(١) سورة المدثر : ٧٤ / ٤٨.
(٢) سورة سبأ : ٣٤ / ٢٣.
(٣) سورة الأنبياء : ٢١ / ٢٨.