خرجوا هذه الجملة هذا التخريج ، بل هم مجمعون على أن الجملة صفة ليوم ، ويلزم من ذلك حذف الرابط أيضا من الجمل المعطوفة على (لا تَجْزِي) ، أي ولا يقبل منها شفاعة فيه ، ولا يؤخذ منها عدل فيه ، ولا هم ينصرون فيه ، وعلى ذلك التخريج لا يحتاج إلى إضمار هذه الرّوابط.
(نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً) كلاهما نكرة في سياق النفي فتعم. ومعنى التنكير : أن نفسا من الأنفس لا تجزي عن نفس من الأنفس شيئا من الأشياء ، قال الزمخشري : وفيه إقناط كلي قاطع من المطامع ، وهذا على مذهبه في أن لا شفاعة. وقال بعضهم : التقدير عن نفس كافرة ، فقيدها بالكفر ، وفيه دلالة على أن النفس تجزى عن نفس مؤمنة ، وذلك بمفهوم الصفة. ويأتي الكلام على ذلك إن شاء الله تعالى عند الكلام على قوله : (وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ). وقرأ أبو السرار الغنوي : لا تجزي نسمة عن نسمة ، وانتصاب شيئا على أنه مفعول به ، أي لا يقضي شيئا ، أي حقا من الحقوق ، ويجوز أن يكون انتصابه على المصدر ، أي : ولا تجزي شيئا من الجزاء ، قاله الأخفش ، وفيه إشارة إلى القلة ، كقولك : ضربت شيئا من الضرب.
(وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ) : قرأ ابن كثير وأبو عمرو : ولا تقبل بالتاء ، وهو القياس والأكثر ، ومن قرأ بالياء فهو أيضا جائز فصيح لمجاز التأنيث ، وحسنه أيضا الفصل بين الفعل ومرفوعه. وقرأ سفيان : ولا يقبل بفتح الياء ونصب شفاعة على البناء للفاعل ، وفي ذلك التفات وخروج من ضمير المتكلم إلى ضمير الغائب ، لأن قبله : (اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ) و (أَنِّي فَضَّلْتُكُمْ) ، وبناؤه للمفعول أبلغ لأنه في اللفظ أعم ، وإن كان يعلم أن الذي لا يقبل هو الله تعالى. والضمير في منها عائد على نفس المتأخرة لأنها أقرب مذكور ، أي لا يقبل من النفس المستشفعة شفاعة شافع ، ويجوز أن يعود الضمير على نفس الأولى ، أي ولا يقبل من النفس التي لا تجزي عن نفس شيئا شفاعة ، هي بصدد أن لو شفعت لم يقبل منها ، وقد يظهر ترجيح عودها إلى النفس الأولى ، لأنها هي المحدث عنها في قوله : (لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ) ، والنفس الثانية هي مذكورة على سبيل الفضلة لا العمدة. وظاهر قوله : (وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ) نفي القبول ووجود الشفاعة ، ويجوز أن يكون من باب : على لاحب لا يهتدي بمناره نفي القبول ، والمقصود نفي الشفاعة ، كأنه قيل : لا شفاعة ، فتقبل. وقد اختلف