(وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) (١) وقرأ ابن السماك العدوي لا تجزي من أجزأ ، أي أغنى ، وقيل جزا ، واجزا ، بمعنى واحد ، وهذه الجملة صفة لليوم ، والرابط محذوف ، فيجوز أن يكون التقدير : لا تجزي فيه ، فحذف حرف الجر ، فاتصل الضمير بالفعل ، ثم حذف الضمير ، فيكون الحذف بتدريج أو عداه إلى الضمير أولا اتساعا. وهذا اختيار أبي عليّ ، وإياه نختار. قال المهدوي : والوجهان ، يعني تقديره : لا تجزي فيه ولا تجزيه جائزان عند سيبويه والأخفش والزجاج. وقال الكسائي : لا يكون المحذوف إلا لهاء ، قال : لا يجوز أن تقول : هذا رجل قصدت ، ولا رأيت رجلا أرغب ، وأنت تريد قصدت إليه وأرغب فيه ، انتهى. وحذف الضمير من الجملة الواقعة صفة جائز ، ومنه قوله :
فما أدري أغيرهم تناء |
|
وطول العهد أم مال أصابوا |
يريد : أصابوه ، وما ذهبوا إليه من تعيين الربط أنه فيه ، أو الضمير هو الظاهر ، وقد يجوز على رأي الكوفيين أن يكون ثم رابط ، ولا تكون الجملة صفة ، بل مضاف إليها يوم محذوف لدلالة ما قبله عليه ، التقدير : واتقوا يوما يوم لا تجزي ، فحذف يوم لدلالة يوما عليه ، فيصير المحذوف في الإضافة نظير الملفوظ به في نحو قوله تعالى : (هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ) (٢) ، ونظير يوم لا تملك ، لا تحتاج الجملة إلى ضمير ، ويكون إعراب ذلك المحذوف بدلا ، وهو بدل كل من كل ، ومنه قول الشاعر :
رحم الله أعظما دفنوها |
|
بسجستان طلحة الطلحات |
في رواية من خفض التقدير أعظم طلحة. وقد قالت العرب : يعجبني الإكرام عندك سعد ، بنية : يعجبني الإكرام إكرام سعد. وحكى الكسائي عن العرب : أطعمونا لحما سمينا شاة ذبحوها ، أي لحم شاة. وحكى الفراء عن العرب : أما والله لو تعلمون العلم الكبيرة سنة ، الدقيق عظمه ، على تقديره : لو تعلمون علم الكبيرة سنه ، فحذف الثاني اعتمادا على الأول ، ولم يجز البصريون ما أجازه الكوفيون من حذف المضاف وترك المضاف إليه على خفضه في : يعجبني القيام زيد ، ولا يبعد ترجيح حذف يوم لدلالة ما قبله عليه بهذا المسموع الذي حكاه الكسائي والفراء عن العرب. ويحسن هذا التخريج كون المضاف إليه جملة ، فلا يظهر فيها إعراب ، فيتنافر مع إعراب ما قبله ، فإذا جاز ذلك في نثرهم مع التنافر ، فلأن يجوز مع عدم التنافر أولى. ولم أر أحدا من المعربين والمفسرين
__________________
(١) سورة آل عمران : ٣ / ٢٨.
(٢) سورة المرسلات : ٧٧ / ٣٥.